أصبح المغرب في السنوات الأخيرة وجهة مفضلة للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء ودول غرب إفريقيا، بالنظر لتقارب الأنماط الثقافية والعامل الجغرافي واستشعار الشعوب الإفريقية، ولاسيما الشباب منهم، للاهتمام الاستراتيجي الذي توليه المملكة للقارة، لا سيما في مجال الهجرة.
ويجسد المغرب هذا الاهتمام بالعمق الإفريقي من خلال سياسة للهجرة إنسانية وشاملة وعملية، أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي مكنت من توفير الإطار القانوني والمؤسساتي الكفيل بتمتيع المهاجرين واللاجئين بحقوقهم الأساسية.
فما يعزز جاذبية الوجهة المغربية كوجهة للاستقرار وليس للعبور فقط، هو ارتكاز جهود المملكة المغربية على الرهان الإنساني في تدبير شؤون الهجرة، من خلال احترام مبادئ حقوق الإنسان ومحاربة الميز، ورهان الاندماج عبر تسهيل الولوج إلى النظام الصحي ومنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي والسكن والتشغيل، فضلا عن الرهانات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي ترى في الهجرة فرصة للتنمية لا عائقا لها.
ونرى اليوم في مختلف مدن المملكة نماذج لشباب أفارقة قدموا إلى المغرب قصد الاستقرار بحثا عن حياة أفضل لهم ولأسرهم، وآخرون جاؤوا بغرض الدراسة فقط أو بنية العبور إلى الضفة الشمالية للمتوسط، لكنهم فضلوا البقاء بالمغرب بعدما وقفوا على الفرص التي يوفرها للمهاجرين سواء على مستوى الحماية القانونية والحقوقية أو على مستوى تيسير عملية اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي.
مامودو سامورا هو أحد هؤلاء المهاجرين الذين استفادوا من الإمكانات الكبيرة التي يوفرها المغرب للشباب الأفارقة حيث تمكن، وبعد مسار دراسي متميز، من شق طريقه بنجاح في مجال الأعمال.
ويحكي مامادو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه قدم إلى المغرب سنة 2008 من غينيا في إطار التعاون القائم بين بلده والمملكة، من بوابة الوكالة المغربية للتعاون الدولي -التي تشكل آلية تعاون مهمة ومبتكرة للنهوض بالمواهب الإفريقية من خلال دعم الطلبة من أكثر من 47 دولة إفريقية لمواصلة تعليمهم العالي بمختلف معاهد ومدارس وجامعات المغرب.”
هذا الانفتاح المغربي الاستراتيجي والثابت على الجسد القاري مكن مامودو من تحقيق إنجازات ممتازة على المستويين الأكاديمي والمهني، إذ حصل على إجازة في القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية، ثم على الماستر في “الاتجاهات الجديدة في القانون الدولي” بكلية الحقوق بالدار البيضاء بجامعة الحسن الثاني، ليقرر استكمال مغامرته العلمية بالتسجيل، في الوقت نفسه، بسلك الدكتوراه ، وبشعبة الترجمة التحريرية بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، التي تخرج منها سنة 2019.
وعلى غرار هذا المسار العلمي الحافل والمتنوع، خاض مامودو العديد من التداريب والتجارب المهنية في مختلف الهيئات والمجالات، إذ عمل في مجال الاستشارة القانونية لدى شركة محاماة ذائعة الصيت بمدينة الدار البيضاء، وعمل لصالح عدد من مكاتب الاستشارة والدراسات والتكوين ودواوين الترجمة، فضلا عن منظمات المجتمع المدني.
ومن أبرز التجارب المهنية الأخيرة لهذا المهاجر الغيني المقيم بالمغرب الإشراف على تدبير مركز المرافقة القانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، المسؤول عن اللجوء في جمعية حقوق وعدالة Droits et justice، بالإضافة إلى عمله كمستشار قانوني لعدد من المنظمات الأجنبية غير الحكومية المتواجدة بالمغرب، والعاملة في مجال الإدماج الاجتماعي والمهني للمهاجرين.
“نظرا لتجاربي وخلفياتي المختلفة والمتعددة، شعرت بالحاجة إلى خلق مقاولة خاصة بي أتمكن من خلالها تقديم كل الخدمات التي اكتسبت التعلمات المرتبطة بها في خضم مساري الدراسي بالمغرب، فكان أن أسست مقاولة لخدمات الاستشارات والدراسات والتكوين والترجمة والتواصل والنشر بمدينة الدارالبيضاء” يقول مامودو سامورا.
وبنبرة صدق وامتنان، يؤكد مامودو قناعته الراسخة بأن المغرب بلد يسمح له بتحقيق أحلامه، لا سيما في ظل المكانة الاستراتيجية التي يحظى بها المغرب اليوم والتقدم الذي أحرزه في مناخ الأعمال والمقاولة، انسجاما مع رؤى جلالة الملك محمد السادس المتعلقة بالتعاون جنوب-جنوب والتنمية القارية.
ولفت الانتباه إلى أن نجاح اندماج المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في الحياة المهنية والاجتماعية بالمملكة المغربية يساهم بشكل مهم في دعم التنمية، ليس في المغرب فقط، بل حتى في الدول مصدر الهجرة وكل القارة.
وإذا كان لمقولة “إفريقيا هي المستقبل” معنى، فإنه لا يمكن تصور هذا المستقبل دون الأدوار الكبرى التي يضطلع بها المغرب اليوم ومنذ سنوات، باعتباره رائدا في التعاون جنوب-جنوب، في دعم التنمية القارية وإدارة قضايا الهجرة من منطلقات حقوق الإنسان بعيدا عن نظارات العنصرية والتعصب والتطرف.
و م ع