الثالث عشر من فبراير، تاريخ محفور في ذاكرة الأثير. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1946 تم إطلاق إذاعة الأمم المتحدة ، ليكون هذا الحدث تاريخا رمزيا لليوم العالمي للإذاعة يحتفى خلاله سنويا بالسحر الخالد لوسيلة إعلامية عريقة عابرة للأجيال.
وبعيدا عن التوقعات المستقبلية المتشائمة ، في ظل العصر الرقمي، فإن الإذاعة، التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرن، تتحدى الزمن ولا يزال صداها يتردد داخل منازلنا وسياراتنا ، فصوتها بعيد عن الانطفاء ويعيد بعث نفسه والتكيف بصبغة أقوى من أي وقت مضى.
من خلال راديو الويب، والبودكاست والبث المباشر، تتخذ الإذاعة أشكالا مختلفة وهو ما يوفر تنوعا لا متناهيا في المحتوى والتجارب . كما أن الإذاعة، من خلال تقديمها الأخبار والموسيقى والحوارات والمواد الترفيهية تعكس مجتمعنا .
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسيكو) بالمناسبة، أن الإذاعة “تدخل قرنها الثاني كواحدة من أكثر وسائل الإعلام التي يعو ل عليها والأوسع استخداما في العالم، وذلك في عصر تتسارع فيه عجلة الابتكارات التكنولوجية إلى حد لا يوصف، وتتقادم فيه المنصات الرقمية التي سرعان ما يخفت بريقها الصاعد، الواحدة تلو الأخرى”.
وأضافت اليونيسكو أن “الإذاعة: مائة عام من الإعلام والتسلية والتعلم” سيكون شعار الاحتفاء باليوم العالمي للإذاعة لهذه السنة، والذي أعلنته الدول الأعضاء في اليونسكو في عام 2011 ثم اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012.
واعتبرت المنظمة أن اليوم العالمي للإذاعة لعام 2024 سيسترجع الماضي العريق للإذاعة، وسيلقي الضوء على حاضرها الوجيه، وعلى ما تعد به من مستقبل دينامي، مؤكدة أن ما قدمته الإذاعة على مدى أكثر من 100 سنة يتطلب احتفالا مهما، فهو مناسبة للتباهي بفضائل هذه الوسيلة الإعلامية.
وأشارت إلى أن الاحتفاء بهذا اليوم يأتي في التوقيت المناسب، إذ إن الإذاعة، على الرغم من أنها تحظى، وفقا للإحصاءات، بشعبية وثقة عميقة من الجمهور، فإنها تعاني من صعوبات متفاقمة على صعيد نسبة المستمعين وحجم الإيرادات، وذلك بفعل المنصات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة، والفجوة المرتبطة بالانتفاع بالوسائل الرقمية والفوارق بين الأجيال، والرقابة المفروضة، والديون التي ترزح تحتها بعض وسائل الإعلام بسبب إعادة الهيكلة، والمصاعب الاقتصادية المتفاقمة بسبب ضعف سوق الإعلانات.
ووفق المصدر نفسه، فإن اليوم العالمي للإذاعة لعام 2024 يتمحور حول البصمة التاريخية للإذاعة في مجالات الأنباء والدراما والموسيقى والرياضة وغيرها، والنفوذ القوي الذي تمارسه عليها ، وكذا حول قيمة الإذاعة كمنفعة دائمة، بوصفها أداة مأمونة، ومجانية إلى حد ما، ومتنقلة، يستخدمها الناس في حالات الطوارئ وعند انقطاع التيار الكهربائي إثر وقوع كوارث طبيعية .
ومع تطور العالم، تستمر الإذاعة في التطور والتكيف مع احتياجات المستمعين المعاصرين ومتطلباتهم الجديدة، ويمك نها هذا التطور من الحفاظ على دورها كناقل للأخبار وأداة ترفيه داخل المجتمع المعاصر، وبالتالي الوصول إلى جمهور واسع ومتنوع.
في المغرب، كشف “راديومتري ماروك” في أحدث الأرقام بخصوص الاستماع للمحطات الإذاعية المغربية في الفترة الممتدة من أبريل إلى يونيو 2023 أن نسب الاستماع إلى الإذاعات المغربية بلغت في هذه الفترة 52.5 في المائة من المغاربة ممن تزيد أعمارهم عن 11 سنة وأكثر أي 14,829 مليون مستمع.
وبلغت نسبة التغطية في متوسطها 48.5 في المائة خلال يوم من عطلة نهاية الأسبوع، أي 13,705 مليون مستمع ، فيما بلغت مدة الاستماع اليومي للمستمعين (DEA) معدل ساعتين و55 دقيقة خلال أيام الأسبوع، وساعتين و57 دقيقة في عطلة نهاية الأسبوع.
ومن حيث التقسيم العمري، يعد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 سنة المستمعين الأكثر ترجيحا للإذاعة بمعدل 55.08 في المائة.
وقد منح ظهور الانترنت دفعة جديدة للإذاعة، حيث وسعت الإذاعة الرقمية آفاقها وهو ما جعلها تقدم محتويات متنوعة ومتاحة في أي وقت ومكان.
كما مهد الراديو الرقمي، الذي يبث على الانترنت، الطريق لمزيد من التفاعل المباشر مع المستمعين. وأثرت وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات الفورية والمناقشات عبر الإنترنت التجربة الإذاعية من خلال إنشاء مجتمع افتراضي من المستمعين الذين يتقاسمون الاهتمامات المشتركة، وبالتالي حافظت الإذاعة على دورها المركزي، لأكثر من قرن، كمصدر للمعلومات والترفيه والتواصل.
وعلى الرغم من كل التطورات التي مر بها العالم، مازالت الإذاعة حية وغنية وتعد بالكثير .
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.