بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة والتلفزة للأطفال، أبرزت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لطيفة أخرباش، أن “الدراية الإعلامية التي نحتاجها هي التي تؤهل الطفل ليصبح في الآن ذاته مواطنا وفاعلا رقميا كفؤا ومسؤولا”، معتبرة أن السبيل الناجع والمستدام لتمكين الأطفال من مواجهة مخاطر التحول الرقمي يتمثل في تقوية الدراية الإعلامية للناشئة لتحقيق استهلاك نقدي ومطلع ومستنير.
وفي هذا الحوار، تجيب السيدة أخرباش عن أربعة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، تهم الأدوات التي ينبغي تفعيلها لحماية الأطفال من الجوانب السلبية للتكنولوجيا، والآليات القانونية التي تؤطر الإعلام الموجه للأطفال، فضلا عن دور الهيئة في توعية الوسائط الإعلامية بضرورة التعامل بحساسية أكبر مع قضايا الطفولة.
1. في مواجهة الإقبال الكبير للأطفال على الإعلام الرقمي، ما هي في نظركم الأدوات التي ينبغي تفعيلها لحماية الأطفال من الجوانب السلبية للتكنولوجيا؟
على غرار باقي دول العالم، تعيش بلادنا مختلف الآثار الناجمة عن التحولات المتعددة والمتسارعة للتحول الرقمي للإعلام والتواصل، أذكر منها وجود المواطن المغربي وسط منظومة رقمية شمولية، وتطور الإذاعات والقنوات التلفزية وسط منظومة تنافسية تضم وسائل الإعلام العابرة للحدود وكبريات المنصات الرقمية العالمية، وسطوة محتويات المنصات الشمولية وشبكات التواصل الاجتماعي غير المقننة والحاملة لمخاطر، وتقديم التحول الرقمي للتواصل والإعلام لفرص جديدة في مجال الولوج إلى المعلومة وحرية التعبير والابتكار والإبداع.
وتبقى الناشئة أبرز الفئات المعنية بسائر هذه الآثار التي تعكس بعض معالم ما بات يعرف بالوجود الرقمي للإنسانية، لا سيما المخاطر التي ينطوي عليها هذا التحول الرقمي، سواء على مستوى استخدام الدعامات أو على مستوى استهلاك المحتويات. لذلك، فالسبيل الناجع والمستدام لمواجهة هذه المخاطر هو تقوية الدراية الإعلامية للناشئة لتحقيق استهلاك نقدي ومطلع ومستنير. وهو أحد الأوراش الرئيسية التي تشتغل عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري انسجاما مع المرجعية الدولية التي تحدد أربع دعامات أساسية لحقوق الطفل؛ وهي الحماية والتعزيز وتقديم الخدمات والمشاركة. لذا، فالدراية الإعلامية التي نحتاجها هي التي تؤهل الطفل ليصبح في الآن ذاته مواطنا وفاعلا رقميا كفؤا ومسؤولا.
2. كيف تقيمون نجاعة الآليات القانونية التي تؤطر الإعلام لحماية للأطفال من بعض المحتويات السلبية؟
ما فتئت بلادنا تولي عناية خاصة لقضية حماية الجمهور الناشئ من المحتويات الإعلامية التي من شأنها أن تضر بسلامة الأطفال النفسية أو العقلية أو الجسدية. ويشكل سعي المشرع المغربي، على مدى سنوات عدة، إلى إرساء ترسانة قانونية حمائية مناسبة بهذا الخصوص، أحد تجليات هذه العناية. فقبل أكثر من ثلاثين سنة، صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989 وصدرت بالجريدة الرسمية المغربية يوم 19 دجنبر 1996، وفيها تلتزم بلادنا، كباقي الدول الموقعة عليها، بأن تستحضر حاجة الطفل، نظرا لعدم نضجه البدني والعقلي، إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة. كما تلتزم المملكة بتشجيع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل، مع العمل على وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بمصلحته.
وغني عن البيان أن النصوص القانونية التي مهدت لتحرير القطاع السمعي البصري، والتي أتت في سياق المنحى الإصلاحي العام الذي شهدته مختلف المجالات منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، لا سيما الحقوق والحريات، وفرت إطارا قانونيا من شأنه تأمين حماية مناسبة للأطفال من المحتويات الإذاعية والتلفزية الضارة. ويمكن الاطلاع على تفاصيل المبادئ والتوجيهات المنظمة لحماية الناشئة في وسائل الاتصال السمعي البصري بالموقع الإلكتروني للهيأة (www.haca.ma)، لا سيما تلك التي تضمنها القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، أو الظهير الشريف رقم 1.02.212 القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أو القانون رقم 11.15 القاضي بإعادة تنظيمها والصادر سنة 2016، أو قرارات المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري أو دفاتر تحملات الإذاعات والقنوات التلفزية، العمومية والخاصة.
3. كيف يتم تحسيس الوسائط الإعلامية بالتعامل مع قضايا الطفولة؟
اعتبارا لانتدابها المؤسسي كهيئة دستورية مستقلة للحكامة تتولى تقنين الاتصال السمعي البصري، تعمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على حث الإذاعات والقنوات التلفزية، العمومية والخاصة، على إيلاء هذا الموضوع الأهمية اللازمة التي يقتضيها، بدءا بالحرص على أن تتضمن دفاتر تحملات كل متعهد على حدة التزامات برامجية خاصة ودقيقة، كمية وكيفية، في هذا الشأن؛ وهي الالتزامات التي تسهر الهيئة العليا على تتبع ومراقبة مدى احترامها، بل وإصدار قرارات زجرية تراعي مبدأي الضرورة والتناسبية، في حال تسجيل إخلال المتعهدين بهذه الالتزامات.
فالهيئة تتدخل في حالة بث إشهار من شأنه أن يلحق ضررا معنويا أو بدنيا بالقاصرين، لا سيما بتشجيع القاصرين بصفة مباشرة على شراء منتوج أو خدمة عن طريق استغلال قلة تجربتهم أو سذاجتهم أو حثهم بصفة مباشرة على إقناع آبائهم أو الأغيار لشراء منتوجات أو خدمات معينة، أو استغلال أو زعزعة الثقة الخاصة للقاصرين إزاء آبائهم ومعلميهم والأشخاص الذين لهم سلطة شرعية عليهم.
كما نولي لموضوع مشاهد العنف اهتماما خاصا، لا سيما تلك التي قد تتضمنها الأعمال التخييلية المقدمة، نظرا لتأثير ذلك على السلامة النفسية والبدنية للجمهور الناشئ. ومن بين المداخل التي ت عملها الهيئة بهذا الخصوص، السهر على تتبع مدى احترام البرامج لنظام الشارات المنصوص عليه في دفاتر تحملاتها.
4. لا شك أن العالم البصري (التلفزيون + الصورة) يستأثر بالحيز الأكبر من اهتمام الطفل، فما دور الإعلام السمعي (الإذاعة) في تطوير الملكات الإبداعية للطفل وخياله؟
فعلا، على مدار عقود لعبت الإذاعة دورا ملحوظا في توعية عموم المستمعين والأطفال على وجه خاص، من خلال المواضيع التي تخصصها البرامج الإذاعية للناشئين، كإحدى الممارسات الفضلى في مجال تقوية التقارب بين مجالي الإعلام والتربية وأثرها على تنمية وإذكاء وعي الطفل. فقد أثبتت عدة دراسات مساهمة الإذاعة بدور فعال ومؤثر في تنمية الملكات اللغوية لدى الطفل، على مستوى النطق السليم للكلمات وإدراك الدلالة والمعنى للرصيد اللغوي الذي يتلقاه الطفل عبر الإذاعة، مما ينمي حصيلته اللغوية ويرفع مستوى نموه العقلي، والعاطفي، والنفسي، والاجتماعي.
كما ترى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أنه من الضروري اعتماد المتعهدين لمضامين تعدها وتقدمها الناشئة للناشئة، وتتناول مواضيع تهم الناشئة ومواضيع أخرى من منظور الناشئة، إعمالا لمبدأ الاشتمالية في مختلف مستوياته.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.