سلط مثقفون من مختلف الآفاق ومن ضفتي المتوسط، اليوم السبت بفاس، الضوء على روح الأندلس وأبعادها المتعددة، باعتباره معينا لا ينضب من التمثلات والأفكار لقرون عديدة.
وحرص هؤلاء المثقفون وضمنهم أكاديميون وكتاب وباحثون، التأموا ضمن فعاليات الدورة السابعة والعشرين من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، على الوقوف عند هذا الموضوع ودلالاته وتجلياته في كافة المجالات المعرفية والخطابات والايديولوجيات والحكايات والأساطير والتمثلات الجماعية.
وفي هذا الصدد، توقف الأكاديمي والمختص في العلاقات المغربية الإسبانية، برنابي لوبيث غارثيا، والروائي مصطفى كبير عمي وآخرون عند مختلف الجوانب التي طبعت روح الأندلس ليس فقط على مستوى المغرب وإسبانيا، وإنما أيضا على صعيد كل بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط .
وأكد مدير الملتقى إدريس خروز، أن اختيار موضوع هذا اللقاء مستلهم من شعار المهرجان “شوقا لروح الأندلس”، لعدة اعتبارات ثقافية وتاريخية وسياسية، معتبرا أنه على المستوى التاريخي فإن البعد الأندلسي للمغرب بشكل عام وفاس على وجه الخصوص مرتبط منذ قرون بالتاريخ المغربي والإسلامي بالأندلس، إن على المستوى التاريخي او الثقافي أو الإيديولوجي.
وأوضح أن “لهذه التجربة انعكاسات عميقة على الصعيدين الثقافي والفني ، حيث نسعى إلى استكشاف مكوناتها التاريخية من خلال تناول جوانبها الكونية والإنسانية”، مضيفا أن روح الأندلس أفرزت روافد عديدة في الثقافة والفن والمخيال المغربي.
وسجل السيد خروز أن الأمر يتعلق، في إطار هذا المنتدى، بإثارة القضايا الراهنة من خلال تقديم قراءات متعددة للتاريخ.
من جهته، توقف السيد كبير عمي في إطار الجلسة الأولى للمنتدى التي تمحورت حول موضوع “النزعة الكونية في الروح الأندلسية”، عند مساهمة الشريف الإدريسي أحد كبار الجغرافيين وعالم النباتات الذي رأى النور تقريبا في عام 1100 ونشأ في قرطبة في ظل الإمبراطورية المرابطية، مضيفا أنه يدين بشهرته إلى تأليف عمل جغرافي وصفي بعنوان “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”.
ومن خلال استحضار النزعة الإنسانية الكبيرة لهذا العالم الجغرافي المغربي، أكد الروائي على فرادة هذه الشخصية، حيث “عبر عن موقف استثنائي للغاية عندما كتب مؤلفه، بالتعبير عن فكرة تحترم الآخر، ومفعمة بالإنسانية”.
من جهته، أكد السيد لوبيث غارثيا أن النقاش حول الروح الأندلسية مناسبة لإحياء هذا الكيان من خلال محاولة سد الفجوات المتزايدة بين الثقافات والأديان وجنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط ، تكريما للأكاديمي الكبير جاك بيرك الذي كان دائما يستحضر روح الأندلس القائمة على الحوار المشترك.
وأكدت مذكرة تقديمية للمنتدى أنه بعيدًا عن مسألة المعرفة العلمية لما هو جزء من الأساطير والخطابات وإعادة كتابة التاريخ، فالأندلس متعددة الثقافات كرست نفسها عبر العالم، ولاسيما بضفتي المتوسط “مار نوستروم”، كملحمة هائلة.
واعتبر المنظمون أنه “ماضٍ يتجدد. العالم المثالي الذي يسوده التفاؤل واحترام الاختلاف وتألق جميع الفنون، حتى أننا نجرؤ على الحديث عن الحوار الهادئ والسلمي للأديان السماوية الثلاثة”.
هذه المدينة الفاضلة العظيمة ألهمت منذ القرن الثامن الميلادي كل العقائد، وتنقل، مع أو بدون فروق دقيقة وعين ناقدة، روح البناء، روح الأندلس.
وأضافوا “التوافق، وسلام الشجعان، وتنقل الأشخاص والأفكار، وقبل كل شيء فيض من الإبداع الفني والفلسفة والشعر والعلم والمهارات الحياتية، معتبرين أن “هذا العيش المشترك في القرنين العاشر والحادي عشر يتجاوز كل المعتقدات والانتماءات والهويات المتعددة (…) أساطير؟ حقائق؟ حكايات؟ تاريخ؟ …. كل هذه الأشياء في آن واحد. يمكن لكل شخص أن يستخلص منها ما يحلم به.
و م ع