يحتل عيد الأضحى المبارك مكانة متميزة لدى المغاربة قاطبة وساكنة فاس على وجه الخصوص، بالنظر إلى حمولتها الدينية القوية والعادات والتقاليد الأصيلة والراسخة التي ترافق الاحتفال بها.
وتحظى هذه الشعيرة الدينية برمزية كبيرة في ثقافة وموروث أهل فاس، يحتفون خلالها بالأعراف والتقاليد المتجذرة الراسخة التي ورثوها أبا عن جد، وإعلاء قيم التضامن والتكافل والتسامح والتغافر.
وبالنظر لمكانة عيد الأضحى لدى الفاسيين، تبدأ الاستعدادات لاستقبال العيد قبل أسابيع من حلوله باقتناء الرجال والنساء ألبسة وأزياء تقليدية جديدة، لاسيما الجلاليب والقمصان والقفاطين والجبادروات، لاستقبال الأقارب والضيوف في أبهى حلة ممكنة.
وللأطفال أيضا، ذكورا وإناثا نصيبهم من فرحة العيد، حيث يستقبلون العيد السعيد بألبسة وأزياء وأحذية ومستلزمات جديدة تقليدية وعصرية، كما تُقدم لهم الحلوى والهدايا صباح العيد، ويحرص آباؤهم على اصطحابهم للمساجد والمصليات لأداء صلاة العيد وتقديم التهاني والتبريكات للمصلين.
كما تحرص النساء الفاسيات أشد الحرص على تنظيف المنزل وترتيبه، والقيام إلى جانب بناتهن وأقربائهن بأشغال الكنس والغسل والتنظيف وترتيب الأفرشة والمطبخ وأواني ومستلزمات العيد.
كما تتفنن وتحرصن، قبل أسبوع أو أسبوعين من حلول هذه المناسبة الدينية على إعداد أنواع مختلفة من الحلويات والوجبات، وإعداد عواصير متنوعة متعددة النكهات والمذاقات، واقتناء المكسرات، لتقديمها لأفراد العائلة والضيوف والزوار في أيام العيد.
عن الأهمية والمكانة التي تحتلها هذه الشعيرة الدينية، أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إدريس الصنهاجي، أن عيد الأضحى أو “العيد لْكْبِيرْ” كما يحلو للمغاربة تسميته يحتل موقعا هاما للغاية في نفوس المغاربة، ويتميز بأبعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية العديدة.
وأوضح الأستاذ الصنهاجي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغاربة بشكل عام وساكنة فاس على وجه الخصوص يحافظون على العديد من العادات والتقاليد المرتبطة ب “العيد لْكْبِيرْ” التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتجمعهم عادات مشتركة مع ساكنة المناطق الأخرى لاسيما التئام الأسر لممارسة هذه الشعيرة بشكل جماعي، حيث يجتمع الأبناء مع آبائهم والإخوة مع بعضهم، بل يقطع بعض المغاربة مئات وآلاف الكيلومترات لقضاء العيد مع أسرهم.
ومن ضمن العادات الأخرى التي تميز احتفال ساكنة فاس بالعيد، يضيف الأكاديمي، تبادل الزيارات العائلية وظاهرة معايدة الجيران التي تحضر بشكل أكبر في البوادي والأحياء الشعبية مقارنة بباقي الأحياء.
وسجل الأستاذ الصنهاجي، أيضا، حرص فئة عريضة من المواطنين، لاسيما بالأحياء الشعبية والبوادي، بمناسبة حلول هذه المناسبة الدينية ذات الرمزية الكبيرة، على إعلاء قيم التضامن والتكافل فيما بينهم والتسامح بين المتخاصمين “سواء بدافع الوازع الديني أو مراعاة للأعراف والتقاليد الراسخة التي تميز هذه الشعيرة”، وبدء صفحة جديدة في العلاقات الإنسانية والأسرية.
في المقابل، سجل الباحث أن التقاليد المرتبطة بعيد الأضحى أضحت تشهد “تراجعا” لدى بعض الأسر، لاسيما في المدن والحواضر الكبرى ، حيث “يلاحظ أن عددا من الأسر لم تعد تحيي هذه الشعيرة وأضْحَتْ تفضل قضاء العيد في الفنادق، أو المكوث بمنزلها أوالسفر إلى وجهات أخرى دون إحياء هذه الشعيرة” لأسباب عدة “منها ما هو مرتبط بوضعها المادي والاقتصادي أو طبيعة سكنها أو تغير نظرتها لهذه الشعيرة الدينية”.
وخلص الأستاذ الصنهاجي إلى أن عيد الأضحى يعتبر من المناسبات الدينية التي تحظى بمكانة ورمزية كبيرة لدى المغاربة، مؤكدا على ضرورة الحرص على “تجنب عدد من الممارسات والسلوكات المشينة خلال العيد لاسيما رمي نفايات ومخلفات الأضاحي في الشوارع والأزقة، والتحلي بروح المواطنة”.
عيد الأضحى هو إذن شعيرة دينية بأبعاد اجتماعية واقتصادية عديدة، ومناسبة للتقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح، وإعلاء قيم التضامن والتكافل والتسامح في المجتمع.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.