شكلت سنة 2023 نقطة تحول مناخية بالنسبة للمغرب، بتسجيله لدرجات حرارة غير مسبوقة وجفاف. هذا ما تضمنه التقرير السنوي حول حالة المناخ بالمغرب لسنة 2023، الذي نشرته، مؤخرا، المديرية العامة للأرصاد الجوية.
وفي هذا الحوار الذي خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط رئيس المركز، رشيد الصباري، الضوء على الاتجاهات المناخية الرئيسية المسجلة خلال السنة المنصرمة بالمغرب، والأحداث المناخية الهامة لهذه السنة، فضلا عن التوقعات بالنسبة للسنوات المقبلة لمواجهة هذا التحدي المناخي.
1 – تميزت سنة 2023 بتسجيل درجات حرارة قياسية وجفاف بالمغرب. كيف يمكننا تفسير هذه الظواهر الجوية والمناخية الخطيرة؟
نعم، بالفعل، كانت 2023 سنة استثنائية من الناحية المناخية. ليس فقط في المغرب بل كذلك على المستوى العالمي. وهذه ملاحظة سلط الضوء عليها تقرير المناخ الذي نشرته المديرية.
ما نعيشه اليوم هو ما تم توقعه منذ عدة سنوات. وهذا يعني مظاهر الاحتباس الحراري التي يمكن لكل واحد منا إدراكها. هي الأحداث الخطيرة التي أضحت أكثر شدة وأكثر تواترا، مثل موجات الحر أو الجفاف.
ولا يجب أن ننسى أن التوقعات المناخية تتنبأ بارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، وأن منطقة البحر الأبيض المتوسط هي نقطة ساخنة لتغير المناخ. ترتفع درجة حرارته بسرعة أكبر من بقية أنحاء الكوكب، ومن المتوقع أن تشتد فترات الجفاف وتصبح أكثر تواترا. علاوة على ذلك، تم تحديد المغرب في منشور علمي حديث كواحد من البلدان الخمس في العالم الأكثر تأثرا بالجفاف في المستقبل بسبب التغير المناخي.
2 – أورد تقرير حالة المناخ أزيد من عشرين ظاهرة جوية كبرى بالمغرب خلال 2023. هل يمكنك التطرق بإسهاب إلى أهم أنواع الأحداث أو المتكررة؟
على مدى سنة 2023، تم رصد ظواهر مناخية وجوية خطيرة. كان لدينا، كما أشرت، قرابة عشرين ظاهرة جوية رئيسية في المغرب.
وكانت موجات الحر شديدة بشكل خاص. لقد شهدنا موجة حر مبكرة بشكل استثنائي في فصل الربيع أثرت أيضا على جنوب أوروبا، والتي كان حدوثها شبه مستحيل لولا تغير المناخ، حسب دراسة علمية نشرت سنة 2023. كما شهدنا موجة حرارة في شهر غشت، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتسجيل رقم قياسي جديد للحرارة على المستوى الوطني بلغ 50.4 درجة مئوية بأكادير يوم 11 غشت 2023.
كما شهد المغرب سنته الخامسة على التوالي من الجفاف، الذي تفاقم بسبب موجات الحر في الصيف. وكانت السنة الماضية الأكثر جفافا منذ الستينات على الأقل، حيث اقترب عجز التساقطات المطرية من 50 في المئة، مما أثر بشكل خاص على قطاع الموارد المائية بالمملكة ومعدل ملء السدود.
ومع التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة على المستوى العالمي، توقعنا موجات حارة وجفاف شديدة ومتكررة في المستقبل. وهذا ما نشهده ونعيشه اليوم بالفعل.
3 – التقرير يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتكثيف الجهود من أجل التخفيف من تأثير تغير المناخ والتكيف بشكل أفضل مع آثاره الحتمية. ما هي الإجراءات الملموسة التي توصي بها المديرية في هذا الشأن؟
ينبغي علينا، في المقام الأول، احترام الالتزامات التي تعهدت بها الدول في إطار اتفاق باريس. لاسيما خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 50 في المئة في أفق سنة 2030 مقارنة بانبعاثات سنة 2019، وتحقيق الحياد الكربوني في أفق 2050 للحفاظ على الاحترار عند 1.5 أو حتى 2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
ويتعين علينا أيضا تسريع تنفيذ استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية من أجل تعزيز قدرة المجتمع بشكل عام على الصمود في مواجهة هذه الظاهرة.
وأخيرا، يجب علينا أن نستمر في مراقبة التغير المناخي وتأثيراته من أجل تحسيس جميع الفاعلين واعتماد نظام فعال للإنذار المبكر للظواهر الجوية الخطيرة، من أجل ضمان سلامة الساكنة.
4 – باعتبار أن سنة 2023 كانت الأكثر حرارة على الإطلاق في المغرب والعالم، ما هي توقعاتكم للسنوات المقبلة وكيف يمكن للمغرب الاستعداد لهذا الواقع المناخي الجديد؟
حسب أحدث المعطيات والتوقعات التي قدمتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فمن شبه المؤكد أن الفترة 2023-2027 ستكون الأكثر سخونة على الإطلاق على الأرض، وذلك في ظل التأثير المشترك للغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية وظاهرة النينيو المناخية.
هناك احتمال بأكثر من 60 في المئة أن يتجاوز معدل درجة الحرارة السنوية على سطح الأرض مستويات فترة ما قبل الثورة الصناعية بمقدار 1.5 درجة مئوية لواحدة على الأقل من هذه السنوات الخمس. على مستوى المغرب، سجلنا معدل درجة حرارة قياسيا في سنة 2022 تم تحطيمه في سنة 2023، ومن غير المستبعد أن يتم تحطيم أرقام قياسية جديدة خلال السنوات المقبلة.
ويتعين على المغرب أن يتكيف مع هذا الواقع المناخي. وكما أشرت من قبل، من جهة، عبر تعزيز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة مختلف مظاهر التغير المناخي، لاسيما فترات الجفاف وموجات الحر، ومن جهة أخرى، من خلال تعزيز أنظمة الإنذار المبكر للظواهر القياسية التي ستبلغ حدتها وسيزداد تواترها مع تغير المناخ.
5 – كيف تخطط المديرية لتحسين خدماتها المناخية من أجل دعم عملية صنع القرار بشكل أفضل في القطاعات المعرضة للتغيرات المناخية، لاسيما الفلاحة؟
حددت المديرية العامة للأرصاد الجوية رؤيتها في أفق سنة 2035 وأعدت مخططها الاستراتيجي 2024-2027، الذي يهدف إلى جعلها فاعلا رئيسيا في مجال الأرصاد الجوية والمناخ، والاستجابة للقضايا المستجدة، لاسيما تحدي التغير المناخي وعودة الظواهر الخطيرة”.
وبالتالي، تخطط المديرية لتعزيز قدرات الرصد والتنبؤ، ولديها برنامج طموح من أجل تقوية شبكة مراقبة السطح والارتفاع لتحقيق أهداف الوزارة الوصية، وهي أن يكون لديها على الأقل محطة مراقبة آلية واحدة لكل جماعة في أفق 2030.
وتطمح المديرية أيضا إلى المشاركة الفعالة كفاعل رئيسي في مبادرة “الإنذار المبكر للجميع”، من خلال تحسين التحذيرات بشأن الظواهر الجوية والمناخية الخطيرة مثل موجات الحر أو هطول الأمطار الغزيرة.
ويتعلق الأمر أيضا بتوفير معلومات مناخية أفضل وأكثر دقة، مثل التوقعات المناخية على المستوى المحلي، وتمكين الجهات الفاعلة الوطنية من تطوير مخططات التكيف للقطاعات الضعيفة، خاصة في الجهات التي سيكون للتغيرات المناخية فيها أكبر التأثيرات.
وبالنسبة للقطاع الفلاحي، على سبيل المثال، قامت المديرية العامة للأرصاد الجوية، مؤخرا، بتحسين أدوات تتبع الموسم الفلاحي بفضل نظام CGMS-Morocco وخطط لإدماج التنبؤات الموسمية وداخل المواسم في هذا النظام من أجل تحسين التحذيرات المناخية التي تؤثر على الموسم الفلاحي.
وأخيرا، تراقب المديرية عن كثب التقدم العلمي في مجال المناخ عبر مشاركتها في أنشطة المؤسسات الدولية مثل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
و م ع