أفضت التحولات التي يشهدها العالم مجال التكنولوجيا وما واكبها من تنام في توظيف الذكاء الاصطناعي إلى تحولات كبرى في مجالات عدة من بينها مجال الترجمة الآلية التي فتحت الباب واسعا أمام تعزيز ترجمة المحتوى الرقمي وإتاحته للعموم على نطاق واسع. في هذا الحوار، يجيب الأستاذ بكلية العلوم بجامعة محمد الأول بوجدة، ورئيس فريق المعالجة الآلية للغات الطبيعية بها، عز الدين مزروعي، عن أربعة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول واقع الترجمة الآلية من اللغة العربية وإليها، والتحديات التي تعترضها وسبل مواجهتها.
1. ماهي التحديات التي تواجه الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية على المستوى الصرفي والاشتقاقي، وكيف يمكن مواجهتها؟
تواجه الترجمة الآلية من اللغة العربية وإليها تحديات كثيرة، خصوصا على المستويين الصرفي والاشتقاقي، بسبب تميزها بنظام صرفي غني يعتمد على الجذور والأوزان، حيث تشتق الكلمات من جذور ثلاثية أو رباعية بأوزان مختلفة تضيف معاني دقيقة ومتنوعة. ويعتبر الإلصاق من أهم التحديات التي تواجه الترجمة الآلية من اللغة العربية وإليها، حيث ينتج عن إضافة سوابق أو لواحق أو كلاهما إلى الكلمة لتشكيل كلمات أو تراكيب جديدة أن الكلمة الواحدة في اللغة العربية يمكن أن تترجم إلى جملة في لغة أخرى.
فعلى سبيل المثال، فإن ترجمة الكلمة “فسأقرؤها” باللغة الفرنسية هي جملة مكونة من أربع كلمات (je vais la lire). كما يصعب في كثير من الأحيان تحديد إن كان جزء من الكلمة أصليا فيها أم زائدا كما هو الشأن في كلمة “فرمت” حيث حرف الفاء أصلي في فعل فرم وزائد (حرف عطف) مع الفعل رمت.
ويمثل غياب حركات التشكيل في النصوص العربية، بدوره، تحديا كبيرا أمام الترجمة الآلية لأنه يؤثر بشكل مباشر على قدرة الأنظمة على فهم النصوص بدقة. فالنطق الصحيح للكلمات ومعانيها ووظائفها تحددها حركات التشكيل، وغيابها يؤدي إلى وجود كلمات متعددة المعاني يمكن تفسيرها بطرق مختلفة بناء على السياق، مثل كلمة “فهم” التي قد تعني “ف ه م ” أو “ف ه م ” أو “ف ه م ” أو “ف ه م “.
وهناك تحد آخر يتمثل في ترتيب الكلمات داخل الجملة حيث تعتبر اللغة العربية مرنة نسبيا في ترتيب الكلمات مقارنة مع الإنجليزية أو الفرنسية التي غالبا ما تتبع ترتيبا أساسيا من نوع “فاعل-فعل- مفعول به”.
ولمواجهة هذه التحديات، ينبغي استخدام خوارزميات تعتمد على النماذج اللغوية الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تستند إلى الشبكات العصبية العميقة. تتيح هذه النماذج فهم الجذور والتعامل مع أشكالها المشتقة من خلال تحليل سياق الجملة بدقة. ولتحقيق ذلك بفعالية، يتطلب الأمر توفير كميات ضخمة من البيانات لتدريب هذه الخوارزميات وتعزيز قدرتها على معالجة التعقيدات الصرفية والنحوية للغة العربية.
2. ماذا عن حدود الترجمة الآلية في ما يتعلق بمراعاة السياق الثقافي العربي؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
تعتمد الترجمة الآلية بشكل رئيسي على تحليل النصوص المجردة، مما يجعلها غير قادرة على استيعاب السياقات الثقافية والاجتماعية بعمق، وهو ما يحد من قدرتها على فهم التعابير المجازية والرمزية المرتبطة بالثقافة العربية. وللتغلب على هذه القيود، يتطلب الأمر تطوير نماذج أكثر تقدما عبر دمج المعرفة الثقافية في النماذج اللغوية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب الأنظمة باستخدام مجموعات بيانات شاملة ومتنوعة، تشمل نصوصا من الأدب العربي والخطاب الثقافي، مع التركيز على الاختلافات الإقليمية لضمان معالجة دقيقة للتنوع الثقافي ضمن العالم العربي.
3. في ظل تطور التكنولوجيا وتنامي تطبيقات الذكاء الاصطناعي الموجهة للترجمة، هل تعتقد أن مهمة المترجم/الإنسان آيلة إلى الزوال؟ أم أن الحاجة إلى العنصر البشري تظل قائمة؟
على الرغم من التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، يظل دور المترجمين أمرا أساسيا. فبينما يمكن للترجمة الآلية أن تكون فعالة في معالجة النصوص المباشرة والبسيطة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في النصوص الأدبية أو القانونية التي تتطلب دقة في فهم المعاني والمرامي. كما أن الترجمة التي تأخذ في اعتبارها السياق العاطفي أو الثقافي ما زالت بحاجة إلى تدخل بشري.
يظل دور المترجمين ضروريا في الترجمة المتخصصة التي تتطلب معرفة عميقة بالموضوعات المعقدة، كما أنه يعد عنصرا حيويا في ضمان دقة الترجمة وملاءمتها للثقافة المستهدفة. لذلك، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يعمل كمكمل لدور المترجم البشري وليس بديلا له. ومن المرجح أن يشهد المستقبل تعاونا بينهما، حيث تستخدم التكنولوجيا لتسريع العمليات الروتينية، بينما يتولى الإنسان التعامل مع المهام الأكثر تعقيدا.
4. ما تقييمكم لجهود المؤسسات والجامعات في العالم العربي في مجال خدمة اللغة العربية من بوابة الترجمة الآلية؟
تعمل المؤسسات الجامعية والبحثية على تطوير تقنيات الترجمة، ولكن على الرغم من بعض التقدم، لم تتمكن بعد من إنتاج نماذج قوية على المستوى العالمي. يعود ذلك إلى نقص الموارد المخصصة لتطوير البنية التحتية التقنية اللازمة لتدريب النماذج اللغوية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، فالتعاون بين المؤسسات الأكاديمية محدود جدا وشبه منعدم مع الشركات التكنولوجية الكبرى التي تملك الخبرات والموارد اللازمة لتطوير نماذج ذات أداء عال.
ولتعزيز جهود الجامعات والمؤسسات العربية في مجال الترجمة الآلية، ينبغي التركيز على تقوية الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية والتقنية، وتشجيع تأسيس مراكز أبحاث متخصصة. كما يعد التعاون مع شركات التكنولوجيا أمرا أساسيا للاستفادة المتبادلة من الخبرات. كما أن توفير ميزانيات أكبر لدعم البحث العلمي في هذا المجال سيسهم في تطوير أدوات ترجمة أكثر دقة وشمولا.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تضطلع المسابقات والمنح البحثية بدور محفز في تعزيز الابتكار وتسريع تطور هذا القطاع. ومن الضروري أيضا إنشاء قواعد بيانات شاملة ومتنوعة تحتوي على نصوص عربية من مختلف التخصصات، مثل الأدب والتكنولوجيا، لتحسين جودة الترجمة الآلية للنصوص المتخصصة.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.