يقدم المخرج الأمريكي تيم بيرتون الذي يحلو للبعض أن يلقبه “سيد الفانتازيا” في السينما العالمية عوالمه الفنية الغريبة والسوداء بطلاقة تجعلها “عادية” و “واقعية” لأنها جزء أصيل من شخصيته في الفن والحياة.
فخلال حلوله، أمس السبت، ضيفا على مهرجان مراكش الدولي للفيلم في فقرة “حوارات”، كشف بيرتون أن العوالم الغرائبية كانت تتملكه طفلا، ولازال يتنفسها في يقظته وأحلامه، مما يجعل المسافة بين الخيال والواقع مسألة معقدة.
يقر مخرج “باتمان” (1989) و “أليس في بلاد العجائب” (2010) خلال اللقاء الذي أداره الناقد الفرنسي جيرار لوفور، بفضل بدايته في فن التحريك، وعمله لدى استوديوهات ديزني في شحذ مهاراته ورؤيته الإبداعية، ويكشف افتتانه المبكر بأفلام الرعب والكائنات الأسطورية.
تركز الحديث طويلا عند مقاربته المميزة في المزج بين الكوميديا والرعب مما يحدث نوعا من الخلل في التلقي لدى فئات عريضة من المشاهدين، وهو ما اعتبره مزيجا يعبر عن حقيقة الحياة ذاتها. الموت ذاته يصوره ببداهة مطلقة، وهو يخمن أن طفولته في حي بجوار المقبرة، وحي لاتيني في كاليفورنيا، حيث الاحتفال بطقوس الموتى، كان لها أثر في هذا التطبيع الغريب مع الموت كفكرة لا ترتبط، بالضرورة، بالمأساة.
تحدث بيرتون بتقدير عن عمله مع نجوم بارزين يتقدمهم جون ديب في فيلم “إدوارد ذو الأيدي المقصات” (1990). يحب نوعية الممثلين الذين ينفتحون على تقمص أدوار الى حدود غير مسبوقة، وتغيير مظهرهم بشكل جذري عبر الماكياج والأزياء وغيرها من المؤثرات. لكنه يؤكد أنه لا يختار طاقمه إلا بناء على متطلبات المشروع. ولعل الاستثناء يتمثل في تعاونه المتواصل مع المؤلف الموسيقي داني إلفمان، الذي بنى معه علاقة ثقة راسخة.
السيناريو والطاقم التمثيلي والتقني مهمان، لكن باقي عناصر العمل تحظى لديه بنفس الأهمية: الإضاءة، الألوان، الخلفيات. المنظومة لا تقبل خللا في أي من عناصرها، يقول تيم بيرتون الذي لا يستطيع المفاضلة بين أفلامه، رغم اعترافه بأن بعضها لم يخرج على الشكل الذي أراده.
تدور أشهر أفلام المخرج حول صراع شخصيات خيرة وأخرى شريرة، لكنه يؤكد الحرص على إعطاء الأشرار حقهم في الكلام. لا يحب التركيز على الشر كمظهر، لأن خلفه، في الغالب، قصة، ظلما ما..
لا يبدو أن تيم بيرتون يفكر في تقديم أفلام واقعية رغم أنه يحترمها ويقدر صانعيها. بكل بساطة، “لكل ذوقه واختياراته”.
لا تحمله مسيرته الطويلة على تقديم نصائح للمخرجين الشباب، لكنه كرر كثيرا كلمة “الشغف”. الشغف يعني لديه تقديم أفلام من صميم إحساس المبدع، دون التفكير في احتمالات النجاح والفشل، ومتاهات التلقي. الشغف هو ما جعله يستغرق مدة ناهزت 10 سنين لإنجاز مشروع سينمائي متعثر.
حل تيم بيرتون بمراكش ممتلئا بذكرى زيارة أولى تعود إلى عشرين سنة. يرى أن معمار البلد وطبيعته الساحرة طافحان بالإلهام. ويلمس دعما عموميا لشباب السينما، جديرا بالتقدير.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.