تعزز المشهد الثقافي بالمملكة خلال سنة 2024، بإطلاق مجموعة من المبادرات الجديدة ومواصلة مبادرات أخرى في مجال النهوض بالشأن الثقافي والفني، بشكل يكرس موقع الثقافة ويرسخ إشعاع المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولئن كان المغرب قد شهد خلال السنة الجارية استمرارية في تنظيم تظاهرات ثقافية كبرى، من قبيل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، اللذين تتحول معهما المملكة إلى قبلة لكبار المثقفين والفنانين وعشاق الثقافة والفن، فإن مبادرات أخرى جديدة أطلقت لتؤكد مدى العناية الملكية الموصولة بهذا القطاع.
وكان من أبرز هذه المبادرات افتتاح المسرح الملكي الرباط، الذي أشرفت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، مرفوقة بعقيلة الرئيس الفرنسي، بريجيت ماكرون، على تدشينه في أكتوبر المنصرم، بأمر من جلالة الملك محمد السادس. ويعد المسرح الملكي بمثابة مشروع هيكلي يعزز منظومة مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية، كما يمثل تجسيدا للعناية الموصولة التي ما فتئ جلالة الملك يوليها للفن والثقافة، بفضل موقع هذه المنشأة الثقافية وجماليتها المتميزة ومعاييرها التقنية المبتكرة التي تعد نقلة كبرى في المشهد الثقافي للمملكة.
والواقع، أن هذا المشروع الهام، الذي كان جلالة الملك قد أعطى انطلاقة أشغال إنجازه، يشكل جزءا مندمجا من برنامج تنمية مدينة الرباط، فضلا عن مساهمته في تعزيز البنيات التحتية الثقافية على مستوى مختلف جهات المملكة، وفي النهوض بالإشعاع الثقافي للمغرب على الصعيد العالمي.
وقد تكرس هذا الإشعاع الثقافي للمملكة، أيضا خلال سنة 2024، من خلال إعلان المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، في أكتوبر الماضي عن اختيار الرباط عاصمة عالمية للكتاب لعام 2026، بناء على توصية اللجنة الاستشارية للعاصمة العالمية للكتاب، واختيار منظمة مدن التراث العالمي لمدينة مراكش لاستضافة مؤتمرها العالمي التاسع عشر لعام 2026، وهما اختياران يرسخان مكانة هاتين المدينتين في المشهد الثقافي العالمي.
ومن الأحداث البارزة التي شهدتها المملكة في المجال الثقافي سنة 2024، فعاليات العام الثقافي قطر-المغرب 2024 التي تعد حدثا فريدا من نوعه، وفرصة استثنائية لتعريف قطر وبقية دول العالم بالتراث الثقافي المغربي الغني بتنوعه وخصوصياته التي تجعل من المملكة بلدا عريقا ومتفردا.
وشهد العام الذي يوشك على الانتهاء أيضا، الاحتفاء بمراكش عاصمة للثقافة في العالم الاسلامي لسنة 2024، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حيث استضافت المدينة الحمراء سلسلة من التظاهرات والفعاليات الثقافية والفكرية والفنية التي تسلط الضوء على الحضارة الإسلامية، وتبرز ثراء المدينة التي تتميز بسحر خاص، في ظل تطور حضري مستمر بفضل البرنامج الملكي “مراكش الحاضرة المتجددة”.
وفضلا عن ذلك، تميزت السنة الجارية باستمرارية عمل أكاديمية المملكة المغربية في إطار هيكلتها الجديدة التي أراد جلالة الملك أن تمنحها نفسا جديدا ودفعة قوية تعتمد على رؤية جديدة، بهياكل وأعضاء جدد، وبرامج ومشاريع منفتحة على التجارب الثقافية الدولية لمواكبة مستجدات العصر، وتحتفي بمجمل مكونات الهوية الوطنية العربية-الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
وعلى ذكر المكون الأمازيغي، فقد تكرس خلال السنة الجارية الاحتفاء الرسمي برأس السنة الأمازيغية، الذي تفضل جلالة الملك في ماي 2023، بإقراره عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، تكريسا للمكانة الدستورية للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
وشهدت السنة الجارية فضلا عن ذلك، تطورا في الترسانة القانونية الخاصة بتأطير الشأن الثقافي، حيث تمت المصادقة على مجموعة قوانين في مجالات متنوعة، منها على الخصوص، القانون المتعلق بحماية التراث، والذي يمكن على الخصوص، من تعزيز المقتضيات الخاصة بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية، وإحداث سجل وطني لجرد التراث.
ومن هذه القوانين أيضا، ذلك المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي، والذي يهدف أساسا إلى المساهمة في تحقيق الانتقال الرامي إلى النهوض بالسينما المغربية في أبعادها الاقتصادية والاستثمارية.
والواقع أن مختلف هذه المبادرات والمحطات إنما تشكل حلقة ضمن سلسلة طويلة من المبادرات والمجهودات التي تشهدها المملكة في المجال الثقافي منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، وتنبع من رؤية ملكية متكاملة تضع الثقافة في صلب المشروع التنموي للمملكة، وتجعلها إحدى واجهات إشعاعها على الصعيد الدولي.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.