صحيفة فرنسية: بعد 10 سنوات من الثورة.. شبكات القذافي تغلغلت في كل الساحة السياسية
رغم مرور 10 سنوات على مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي قرب مدينة سرت على يد الثوار، لم تستطع ليبيا بعد التحرر من إرث 42 عاما من حكم هذا “القائد” الذي خلف تركة تفسر جزئيا الانقسام الذي أعقب الثورة، وفي الوقت الذي يبدي فيه بعض السكان نوعا من الحنين إلى ذلك الماضي، تبقى شبكات القذافي المؤثرة تكافح من أجل إيجاد زعيم “يجسد بديلا” حقيقيا يسمح لها “بإعادة إرساء نظام ما قبل 2011”.
بهذه المقدمة لخصت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية، أهم ما أوردته الباحثة فيرجيني كولومبييه، الأستاذة في معهد الجامعة الأوروبية في فلورانسا، في المقابلة التي أجراها معها فريديريك بوبين، حيث رأت أن السكان في ليبيا رغم مرور هذا الوقت الطويل ما زالوا منقسمين حول إرث القذافي.
فمؤيدو الثورة ومن عانوا من قمع النظام، يرون -حسب الباحثة- أن ما يمنع القادة الجدد من بناء نظام صالح بعد 2011، هو أن القذافي لم يتمكن أصلا من بناء دولة حقيقية، مما جعل مؤسسات الدولة تنهار بمجرد انهيار نظامه، في حين أن جزءا آخر من السكان يشعر بنوع من الحنين إلى عهد القذافي، ويرى فيه الشخص الذي فتح “طريقا خاصا” لليبيا، واستطاع تأمين استقلالها .
شبكات القذافي
كانت الروابط الشخصية والسياسية والقبلية الممزوجة بمركزية الثروة النفطية التي جعلت ليبيا دولة ريعية هي السمات الرئيسية للجماهيرية -كما كان يطلق عليها- مما أسس لنظام شبكات تعبر عن الولاءات السياسية والتوزيع الاقتصادي بطريقة معقدة للغاية، فماذا حدث لشبكات القذافي؟ وأين توجد اليوم في التركيبة السياسية والعسكرية الجديدة لما بعد 2011؟
على هذا السؤال ترد فيرجيني كولومبييه بأن شبكات القذافي تشتتت عبر الطيف السياسي الليبي، فيمكن العثور عليها في الغرب في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة بطرابلس، كما يمكن العثور عليها في الشرق ضمن حاشية اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما أنها حاضرة في “التيار المدني”، ضمن الأحزاب والجماعات السياسية التي شاركت في اللعبة السياسية إبان انتخابات 2012 و2014، وقد أعادوا تشكيل أنفسهم، فيما يشبه شبكة العنكبوت التي تتكيف مع الريح.
وعند السؤال عن مدى تماسك هذه الشبكات، نبهت الباحثة إلى أن السلطة كانت مقسمة بين فصائل مختلفة في عهد القذافي، خاصة أن “المصالحة” مع الدول الغربية ومحاولات الإصلاح الاقتصادي والسياسي في منتصف العقد الأول من القرن الـ21 أدت إلى توترات وانقسام داخل النظام .
و من الأمثلة على هذا الانقسام -كما تشير الباحثة- ظهور حركة “ليبيا الغد” يقودها سيف الإسلام القذافي الذي اجتمع حول مشروعه “التغيير” بعض المعتدلين من داخل النظام وكذلك جزء من المعارضة، ولكن الانتفاضة الشعبية عام 2011 حطمت هذا التحالف، فعاد البعض إلى المعارضة وشارك في الثورة، وبقي سيف الإسلام وآخرون على ولائهم لمعمر القذافي.
وأشارت الباحثة إلى أن أنصار النظام القديم لا ينبغي اختزالهم في خط متشدد من ورثة اللجان الثورية والقيادة القبلية، فمن ضمن هؤلاء الأنصار مجموعة “تكنوقراط”، لعبت دورا مهما في العقد الأخير من عهد النظام وحتى بعد عام 2011، وبرز بعض أعضائها في الحكومات المتعاقبة في طرابلس.
وعند السؤال عن الرئيس الحالي لحكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة هل يمكن أن يعد من شبكة “التكنوقراط”، فضلت الباحثة تصنيفه ضمن فئة الشخصيات التي تمكنت من استخدام نفوذها الاجتماعي وقوتها الاقتصادية لإعادة التموضع.
فبعد أن ترأس في عهد القذافي شركة عامة مسؤولة عن جذب الاستثمارات الدولية، قام الدبيبة في عام 2011 بعد بعض التردد، بدعم المليشيات في مصراتة ماديا ونجح تدريجيا في إعادة بناء شبكته التي حملته في النهاية إلى منصب رئيس الحكومة .
و قد تكيف عدد من الشخصيات مثله من النظام القديم، وتمكنوا من إعادة بناء شبكات نفوذهم على مدى السنوات العشر الماضية، خاصة أن جميع شبكات القوة في ليبيا، في الغرب كما في الشرق، منظمة إلى حد ما حول العوامل نفسها، القيادة الاجتماعية والمال ومفهوم معين من القوة .
استعادة شبكات القذافي
بعد الانقسامات المؤسسية في عام 2014 وبدء عملية الوساطة التي قادتها الأمم المتحدة عام 2015، انطلق المعسكران الغربي والشرقي في محاولة للتقرب من شبكات القذافي التي تم استبعادها تماما من المشهد السياسي بعد عام 2011 وتهميشها اجتماعيا، غير أن معسكر حفتر في الشرق -كما تقول الباحثة- كان أكثر نجاحا في ذلك، وتمكن من جذب جزء من “الحرس القديم” من ورثة اللجان الثورية، الذين يشاركونه في التمسك الأيديولوجي بنظام سلطة مركزي وسلطوي والعداء للديمقراطية الليبرالية التي يرونها مصدرا للتشرذم والضعف .
و رغم أن حفتر فشل في أن يكون الشخص البديل الذي يبحث عنه دعاة الانتقام من الثورة واستعادة النظام السابق، فإن السياق الإقليمي -كما ترى الباحثة- كالتطورات السياسية في مصر وفي تونس الآن، تدفع للشك في إمكانية قيام التعددية على النمط الغربي، وبالتالي فإن سيف الإسلام القذافي آخر من يجسد مشروعا سياسيا للتغيير داخل النظام، أصبح ظاهرة اجتماعية في السياق الليبي وخارج البلاد بسبب الاهتمام الإعلامي الذي يولده.
غير أن الباحثة تخلص إلى أن سيف الإسلام ليس لديه القدرة على بناء تحالفات قوية بما فيه الكفاية في السياق الحالي، لأن حركته ينظر إليها داخل سديم النظام القديم، على أنها أحد أسباب انهيار النظام، كما أن الأكثر ثورية لم ينسوا آخر خطاباته المتلفزة الخطيرة للغاية ضد الثوار، والدعم القوي والعنيف الذي قدمه للنظام في اللحظات الأخيرة .
المصدر : le monde
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.