عاد قرع المطارق المتواصل على النحاس في ميدان بوسط مدينة فاس المغربية فيما يعد علامة تلقى الترحاب من آلاف الحرفيين على أن تجارتهم بدأت تنتعش ببطء بعد تراجع حاد بسبب جائحة فيروس كورونا. وما زال النشاط أقل مما كان عليه قبل الجائحة ويقول حداد النحاس محمد كوبي إن ارتفاع سعر المعدن أضر بهوامش الربح. وقال وهو يقطع ساحة الصفارين مسرعاً ليسلم طلبية من ثماني مقال كبيرة الحجم لأحد المطاعم المحلية: «لكن الأوضاع تحسنت مقارنة بالعام الماضي».
وتأسست المدينة المسورة التي تقع على مساحة 280 هكتارا (حوالي 692 فدانا) في عام 789 وتضم 40 ألفا من الحرفيين منهم من يعمل بالمعادن والحفر على النحاس والخشب والجلود. وكانت ندرة السياح والزوار المحليين خلال فترة انتشار الجائحة قد دفعت الكثيرين منهم للبحث عن عمل آخر وما زال بعضهم يعاني.
ورغم أن عدداً محدوداً فقط من السائحين الأجانب ما زالوا يجوبون الأزقة الضيقة في المدينة، بدأت أسواق فاس القديمة في الانتعاش التدريجي مع تخفيف القيود على السفر الداخلي وتزايد أعداد من تلقوا لقاحات مضادة للفيروس. وبعد عامين من الركود، يتوقع البنك المركزي أن تقفز عائدات السياحة الداخلية والخارجية إلى 60 مليار درهم (6.7 مليار دولار) في 2022. واستقبلت فاس زوارا هذا الصيف أكثر بنسبة 90 في المئة ممن استقبلتهم في 2020 وأغلبهم من المغاربة المقيمين بالخارج.
لكن المشكلات لاحت في الأفق من جديد إذ أن من المقرر وقف رحلات الطيران المباشرة من بريطانيا وألمانيا وهولندا اعتبارا من غد الجمعة بسبب مخاوف تتعلق بكوفيد-19. ويقول الحسن ساعو المهتم بالحرف التقليدية إن الحرف المرتبطة بأعمال البناء بدأت تنتعش غير أن أداء الأنشطة المعتمدة على السياحة أسوأ بكثير. وفي دار شوارة للدباغة التي يرجع تاريخها للقرن الحادي عشر تعكف مجموعة من الرجال يرتدون سراويل قصيرة تغطيها بقع الصبغات على تلوين وتنعيم قطع من الجلد بالطريقة القديمة للصناعة على الرغم الرائحة النفاذة المنبعثة منها.
وقال عبد الحليم فزازي الذي أُجبر على ترك حرفته التي أمضى فيها 50 عاما في دباغة الجلود: «أغلب العمال المهرة في المدبغة إما تحولوا لعاطلين أو انتقلوا لعمل آخر في قطاعات التشييد والبناء والزراعة». وأضاف: «النشاط ما زال أقل بنسبة 80 ٪ من مستواه قبل الجائحة… قطع الجلد تلفت».
وقال محمد مفكر تاجر المنتجات الجلدية وهو يتحسر على غياب الزبائن وينفض التراب عن الحقائب في متجره بالطرف الآخر من المدينة إن الصناعة التقليدية أكثر من مجرد مصدر للدخل. وأضاف: «إنها جزء من تاريخنا الذي نريد الاحتفاظ به ونقله للجيل التالي».
لكن في فاس القديمة يختار العديد من الشبان والأجيال الأصغر العمل في وظائف ليواجه أصحاب الحرف والصناعات التقليدية صعوبة في العثور على العمالة الماهرة. وقال أزمي إدريس (73 عاما) متذكرا الأيام الخوالي قبل الجائحة وقبل انتشار مصانع الغزل والنسيج وهو جالس خلف نول قديم في مجمع حديث للحرف والصناعات التقليدية: «ننتج ولكن لا أحد يشتري. أصبح النسيج شغلة كبار السن» .
المصدر : رويترز