“في الصحراء، كما في الجبال، تكتشفين نفسك من جديد”، بهذه الكلمات تصف فاطمة الزهراء (21 سنة)، ابنة طنجة والطالبة في السنة الثانية بمعهد مهن الرياضة بالقنيطرة، رحلتها مع صديقتها سكينة حمام (28 سنة)، ابنة العيون التي اختارت الاستقرار في إفران منذ سنوات، وهما اللتان تخوضان منافسات “لحاق الصحراوية” هذه السنة كثنائي يمثل الأقاليم الجنوبية.
بدأت القصة في ماراطون الرباط الدولي 2023، حيث التقت العداءتان لأول مرة، قبل أن تجمعهما الأقدار مجددا في مسارات إفران الجبلية المخصصة للرياضيين. كانت سكينة قد بدأت مسيرتها الرياضية عام 2018 في نادي شباب الساقية الحمراء لألعاب القوى بالعيون، بعد أن لفتت الأنظار في سباق مدرسي لمسافة 800 متر، محتلة المرتبة الثالثة في منافسة مع الذكور.
وفي مرتفعات الأطلس، حيث يعانق الضباب قمم الجبال وتتراقص أوراق الأرز في نسمات الصباح الباردة، أمضت العداءتان شهرا كاملا في تدريبات مكثفة استعدادا للنسخة الحادية عشرة من لحاق الصحراوية. وتحت إشراف المدرب عبد الله العسري، الذي يشرف على تدريب فاطمة الزهراء منذ سنتين، خضعت العداءتان لبرنامج تدريبي صارم.
“كنا نتدرب مرتين يوميا، نقطع مسافات تتراوح بين 120 و150 كيلومترا أسبوعيا في مسارات إفران الجبلية”، تتذكر فاطمة الزهراء. “كان التحدي يزداد مع تدريبات السرعة المتقطعة والتمارين البدنية الشاقة، لكن حلم الوصول إلى منصات التتويج في سباقات المسافات الطويلة كان يمنحنا قوة خارقة لمواصلة التدريب”.
بالنسبة لسكينة، التي بدأت مسيرتها في كرة القدم قبل أن يكتشف موهبتها أستاذ الرياضة في المرحلة الإعدادية، كان الطريق مليئا بالتحديات. “الجري بالنسبة لي هو أكثر من رياضة، إنه وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية. في الصحراء، حيث ثقافة الجري ليست معتادة لدى المرأة، كان علي تحدي الكثير من المفاهيم”، تقول بتأثر، وتضيف بامتنان: “لكن زوجي، وهو بطل سابق، كان دائما يشجعني ويدربني”.
رغم الإصابة التي تعرضت لها في ماراطون مراكش 2022، واصلت سكينة التدريب بعزيمة أقوى، وتؤكد أن “التدريبات للماراطون تتطلب ثلاثة أشهر على الأقل، وهدفنا كان واضحا: تحقيق زمن يؤهلنا له”.
وفي منافسات اليوم الأول من “لحاق الصحراوية 2025″، تجلت قوة صداقتهما في مشهد إنساني مؤثر. في الكيلومترات الأخيرة، حيث كانت أشعة الشمس في أوج حرارتها والرمال تلهب الأقدام، بدأت علامات التعب تظهر على سكينة. “شعرت أن قدمي لم تعد تحملني”، تتذكر تلك اللحظات، لكن فاطمة الزهراء، رغم إرهاقها، عادت أدراجها لمساعدة صديقتها. “وضعت يدها على كتفي، وبدأت تدفعني برفق، تشجعني وتذكرني بكل ما تجاوزناه معا”، تضيف سكينة بتأثر.
وتختم فاطمة الزهراء: “بين قمم الأطلس ورمال الداخلة، تعلمنا أن أجمل الانتصارات هي تلك التي نحققها معا. نحن لسنا مجرد رياضيتين من طنجة والعيون، نحن قصة صداقة مغربية تؤمن أن المستحيل يصبح ممكنا عندما نتحد”، مضيفة بحكمة تتجاوز سنها: “الصداقة مثل الصحراء، شاسعة وعميقة وتحمل في طياتها مفاجآت جميلة”.
هكذا، كتبت سكينة وفاطمة الزهراء فصلا جديدا في تاريخ “لحاق الصحراوية 2025” بالداخلة، قصة تتجاوز حدود المنافسة الرياضية لتصبح ملحمة إنسانية عن صداقة جمعت بين بنت الصحراء وبنت الجبل، قصة تؤكد أن أجمل الانتصارات هي تلك التي تجمع بين عالمين مختلفين في قلب واحد.
و م ع