استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في العملية التعليمية بين الحاجة لمواكبة التطور وتحديات جودة التحصيل الدراسي
في خضم التحولات الرقمية المتسارعة، أضحى الذكاء الاصطناعي التوليدي أمرا واقعا يفرض نفسه كأداة أساسية في العملية التعليمية، وذلك بالنظر إلى ما يتيحه من إمكانات هائلة لإنتاج محتوى تفاعلي وإبداعي يساهم في تحديث أساليب التعلم؛ غير أنه، وفي المقابل، يثير اعتماد هذه التقنيات من قبل المتعلم العديد من المخاوف ويطرح تحديات شتى، لا سيما تلك المرتبطة بمدى تأثيره على جودة ونوعية التحصيل الدراسي.
والذكاء الاصطناعي التوليدي هو نوع من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تبسيط المهام وإنتاج أشكال مختلفة من المحتوى بما في ذلك النصوص والصور والبيانات المركبة من أوامر وسياقات بسيطة.
وفي هذا السياق، أصبح اللجوء المفرط وغير المضبوط للتلاميذ إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، في مختلف المراحل التعليمية من الابتدائي والإعدادي إلى الثانوي، ثم الجامعي، يشكل هاجسا مؤرقا يطرح تساؤلات حول دقة ومصداقية المعلومات التي يوفرها، ومدى انعكاس ذلك على مستوى التحصيل لدى المتعلمين، خاصة في ضوء سهولة الوصول إلى هذه التقنية دون قيود ولا حتى تكلفة.
وبالرغم من أن المدافعين عن استخدام التلاميذ لتطبيقات من قبيل “شات جي بي تي” يؤكدون أنها تمكنهم من محتوى جذاب يستجيب لتعطشهم لكل ما هو رقمي، ويراعي درجات الاستيعاب لديهم، يحذر فاعلون تربويون من أن الإفراط في استعمال هذه التطبيقات، خاصة في إنجاز الواجبات يصيب التلميذ بتشتت ذهني، ويؤدي به إلى الخمول، وبالتالي تراجع مستواه الدراسي.
وفي هذا الصدد، أكد أستاذ الرياضيات، كريم الدحماني، أن الاعتماد المفرط للتلاميذ على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنجاز الواجبات المدرسية بصفة عامة، والمسائل الرياضية بشكل خاص، عوض بذل الجهد في التفكير في حلها يضعف قدرتهم على التحليل والاستنتاج تدريجيا، مشبها ذلك ب”ضمور العضلة التي لا يتم استخدامها”.
وأبرز أن حجر الزاوية بالنسبة للمتعلم في المواد العلمية، لاسيما الرياضيات لا يكمن في الحصول على الإجابة بل في استيعاب الطريقة التي يتم بها حل مسألة رياضية، موضحا أن اللجوء المتكرر للتلميذ إلى هذه التطبيقات يؤدي إلى عجزه في الامتحان عن تطبيق المنطق الرياضي، إذ إن حل المسائل الرياضية يتطلب بالضرورة تدريبا وجهدا ذهنيا مستمرا.
وأضاف الأستاذ الدحماني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه ينبغي تأطير استخدام هذه التطبيقات من خلال تدريب التلاميذ على حل أسئلة مركبة تتطلب جهدا إبداعيا بدل الأسئلة المباشرة، ملاحظا أن التلاميذ المتفوقين هم من ينجحون في التوليف بين الجهد الذاتي ومختلف الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا.
من جانبها، أكدت أستاذة اللغة العربية بالتعليم الثانوي، وداد البروحي، أنه أصبح من اللافت جدا اللجوء المتنامي للتلاميذ إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للقيام بواجباتهم المدرسية، موضحة أنه من السهل جدا التفريق بين واجب بذل فيه التلميذ مجهودا خاصا وبين آخر اعتمد فيه على تقنيات الذكاء الاصطناعي، على اعتبار أن الأخير يتسم بأسلوب تنميطي ومعطيات فضفاضة، غير تلك التي يتم تلقينها للتلميذ في الفصل، ولا تدخل في إطار المقرر الدراسي.
وحذرت السيدة البروحي، في حديث مماثل، من أن الاعتماد المفرط على هذه التطبيقات ينعكس سلبا على مستوى التلاميذ، كونه يقوض قدرتهم على الاستقلالية في التحصيل الجيد والتفكير وتطوير الملكات الفكرية والنقدية.
أما الطالبة إيمان بانو فكشفت أنها تستعين بعدة تطبيقات للذكاء الاصطناعي للتأكد من صحة حلها للمسائل الرياضية أو حين تتعثر في حل معادلة ما، وذلك لأنه الوسيلة الأسهل والأكثر سرعة، لافتة إلى أنها تحرص على أن يبقى الأمر محصورا ضمن خانة الاستعانة والاستئناس.
وسجلت في حديث مماثل، أنه ينبغي للتلميذ أن يكون واعيا بماهية هذه التطبيقات وبكيفية استعمالها، ويقظا إزاء خطورتها، ذلك أنه في الكثير من الأحيان تفتقر إجابات هذه التطبيقات إلى الدقة لتعدد المراجع أو لعدم اعتمادها في المقررات الدراسية الوطنية.
ويرى الأستاذ والأخصائي في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، أنه لا يمكن الحيلولة دون استخدام هذه الفئة العمرية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لأنها متداولة بشكل خاص لديها، داعيا إلى دمج هذه التطبيقات في المنظومة التعليمية وتقييد استخدامها حتى لا تصبح الوسيلة الوحيدة لحل الواجبات المدرسية.
وأوضح في تصريح للوكالة أن لجوء التلميذ لهذه التطبيقات يأتي في إطار “البحث عن السهل”، الذي لا يتطلب مجهودا يصقل لديه مهارات التطوير والابتكار، مسجلا أن “البحث عن السهل” يثير قلقا لدى القائمين على العملية التربوية مخافة أن يتحول مستعملها إلى مجرد مستهلك سلبي تتعطل لديه القدرة على التفكير والنقد.
ويرى الأستاذ بنزاكور أنه يتعين إدماج الذكاء الاصطناعي كتخصص قائم الذات في المناهج التعليمية، حتى يتمكن المتعلم من آليات التعامل معه ضمن مختلف الوسائط والدعامات التعليمية الأخرى.
وفي ظل الإقبال المتنامي للتلاميذ على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع ما يصاحبه من تنافس شرس بين مصممي هذه التقنيات على تطوير أشكال وعروض جديدة، يبقى إدماجها في المنظومة التعليمية خطوة لا محيد عنها، تستلزم ابتكار أسلوب مرن وذكي يكون بمثابة سلاح للمتعلمين، يمدهم بالمناعة ضد الاستلاب التكنولوجي وفي الآن ذاته بالقدرة على تطوير مهاراتهم في شتى المجالات.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.