13 مارس 2025

مشروع الرسوم المتحركة “بصمة التراث”.. نحو خلق مرجع بصري متكامل عن تاريخ المغرب وتراثه المتنوع (السيد ملين)

Maroc24 | فن وثقافة |  
مشروع الرسوم المتحركة “بصمة التراث”.. نحو خلق مرجع بصري متكامل عن تاريخ المغرب وتراثه المتنوع (السيد ملين)

أكد الباحث في التاريخ، محمد نبيل ملين، أن مشروع سلسلة الرسوم المتحركة “بصمة التراث” الذي أطلقه مؤخرا على منصة (يوتيوب) بمعية صانع المحتوى، مصطفى الفكاك (سوينغا)، يهدف أساسا إلى خلق مرجع بصري متكامل عن تاريخ وتراث المغرب المتنوع.

وقال ملين في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن فكرة هذه السلسلة التي تعنى بإحياء التراث المغربي وتقديمه بأسلوب معاصر، انبثقت من وعي بأهمية تملك السرديات التاريخية المغربية وتعزيزها ليس فقط باعتبارها موروثا ثقافيا بل كركيزة أساسية في تشكيل الوعي بالذات الجماعية.

وأبرز في هذا الصدد أن الهوية لا تبنى على الحاضر وحده بل تتغذى من إدراك مستمر للماضي ومن فهم متجدد لمساراته وانعكاساته على الواقع، مضيفا أن التاريخ يصبح بهذا المعنى ليس مجرد سرد للأحداث بل أداة لإدراك الذات والتفاعل مع محيطها ومقاومة أي محاولات لطمسها أو إعادة تشكيلها من الخارج.

وعن اختيار الرسوم المتحركة لإنجاز هذا المشروع، قال ملين إن هذه الأخيرة تمثل وسيطا مثاليا لنقل رؤيته إلى جمهور أوسع خاصة الأجيال الصاعدة التي باتت تستهلك المحتوى السمعي-البصري أكثر من أي وقت مضى.

فبخلاف الحوامل التقليدية التي قد تبدو حكرا على فئات معينة، يضيف ملين، تتيح الرسوم المتحركة إمكانية تبسيط السرد دون الإخلال بدقته وإعادة بناء المشاهد التاريخية بطريقة إبداعية تمنح المشاهد تجربة أكثر انغماسا وتأثيرا، علاوة على أن هذا الشكل يمنح حرية أكبر في التناول الفني مما يسمح بإعادة إحياء الأماكن والشخصيات والأحداث بأسلوب يتجاوز قيود الإنتاج التقليدي ويجعل التراث حيا في الوجدان الجماعي.

وأشار المؤرخ إلى أن تحقيق التوازن بين الدقة الأكاديمية والجاذبية السردية كان أحد أكبر التحديات التي واجهت هذا المشروع، على اعتبار أنه “لا يمكن تقديم التاريخ خصوصا المتعلق بمواضيع تراثية حساسة دون احترام المصادر والمناهج العلمية”، كما لا يمكن تناوله بأسلوب جاف أو معقد قد ينفر الجمهور العريض.

وقال إنه لهذا السبب، جاء المزج بين البحث التاريخي العميق والصياغة الفنية المبتكرة بحيث يتم تبسيط المعلومات واستعمال المؤثرات الصوتية والصورية دون الإخلال بجوهرها العلمي، مبرزا في هذا الصدد “الدور الحاسم” لصانع المحتوى مصطفى الفكاك، الذي ساهم بفضل خبرته في تبسيط المفاهيم المعقدة وإيصالها بطريقة مشوقة، في تحويل المادة التاريخية إلى سرد سمعي-بصري ممتع يلامس وجدان المشاهد ويحفزه على التفاعل معها.

وفي معرض حديثه عن أبرز الموضوعات التي تتناولها “بصمة التراث”، قال ملين إن المشروع يركز على المواضيع التي تعكس عمق الهوية المغربية وتاريخها الغني بتنوعه وامتداداته الجغرافية والحضارية.

وأبرز في هذا الصدد أن الحلقة الأولى تناولت موضوع الكسكس ليس فقط باعتباره من ركائز المطبخ المغربي بل كرمز ثقافي يحمل دلالات اجتماعية وهوياتية ممتدة عبر قرون، تلتها حلقة مخصصة لتينمل، المعلم الذي كان مهد أكبر إمبراطورية عرفها المغرب، ومختبرا فنيا حيث تبلورت ملامح المعمار المغربي الذي ألهم تصاميم كبرى المعالم التاريخية بالمملكة وخارجها. أما الحلقات المقبلة، فستتناول شخصيات وأحداث ومعالم شكلت ملامح الشخصية المغربية.

وعن الوقع المنشود من هذا المشروع على المستويين الوطني والدولي، قال ملين “إننا نطمح، على المستوى الوطني، إلى تعزيز الوعي بالتراث وإبرازه كجزء أساسي من الذاكرة الجماعية وإلى تحفيز الأجيال الجديدة على التفاعل معه بوصفه إرثا حيا يتجدد باستمرار.

وأضاف أنه، على المستوى الدولي، يمكننا عن طريق تقديم مختلف مكونات الشخصية المغربية بشكل حديث وملائم لمتطلبات العصر وتعزيز صورة المملكة الثقافية وتقوية دورها في المشهد الدولي كفاعل حضاري متجذر في تاريخه مستفيدا من قوة التراث كأحد أبرز عناصر القوة الناعمة التي تسهم في بناء الجسور الثقافية وترسيخ حضور البلد في الذاكرة والمخيلة العالمتين.

من جهة أخرى، أكد ملين أن “السيادة السردية” تمثل مفهوما محوريا في «بصمة التراث»، إذ يعني امتلاك القدرة على رواية التاريخ بوعي ذاتي مستقل وحس علمي رصين حتى لا يكون الماضي مجرد معطى جامد بل ركيزة لبناء الهوية الجماعية.

واعتبر أن هذا الوعي يساهم على المستوى المحلي في تعزيز التماسك الاجتماعي عن طريق ترسيخ مشترك يعكس تنوع المغرب وعمقه الحضاري وتفرد سيرورته في إطار رؤية جامعة مانعة، ويحول، على المستوى الدولي، دون جعل التاريخ والتراث عرضة لإعادة التأويل أو التشويه وفق تصورات خارجية قد تؤدي إلى تهميشهما أو تحريفهما أو نزعهما عن سياقه الأصلي أو حتى انتزاعهما عبر عمليات تملك ممنهجة.

وشدد في هذا الصدد على أن أهمية مشاريع مثل «بصمة التراث» تكمن في كونها تسعى إلى تقديم قراءة متماسكة تستند إلى مصادر موثوقة بعيون مغربية بغرض الإبقاء على هذا الإرث في صلب الوعي الوطني رغم محاولات الطمس والتحوير.

وعن آفاق “بصمة التراث”، قال ملين إن الهدف الأساسي من اختيار شهر رمضان الكريم لعرض الحلقات هو ضمان أقصى درجات التفاعل مع الجمهور نظرا لما يمثله هذا الشهر من لحظات تجمع والاهتمام بالثقافة والتراث، مؤكدا أن الطموح لا يتوقف عند هذه الحلقات فقط، بل نسعى إلى توسيع المشروع مستقبلا ليشمل مواضيع إضافية بل وربما أشكالا جديدة من السرد البصري.

وأبرز ملين، في المقابل، أن استمرار مثل هذا المشروع رهين بالتمويل لأن هذا النوع من الإنتاجات يتطلب موارد كبيرة نوعا ما، معتبرا أنه رغم أهمية هذه المهمة، فإن تأمين الدعم يظل من أكبر التحديات التي تواجه هذا النوع من المبادرات الثقافية.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.