13 مارس 2025

مشروع الرسوم المتحركة “بصمة التراث”.. خمسة أسئلة للمؤرخ محمد نبيل ملين

Maroc24 | فن وثقافة |  
مشروع الرسوم المتحركة “بصمة التراث”.. خمسة أسئلة للمؤرخ محمد نبيل ملين

أطلق الباحث في التاريخ، محمد نبيل ملين، وصانع المحتوى، مصطفى الفكاك، مؤخرا على منصة (يوتيوب)، سلسلة رسوم متحركة بعنوان “بصمة التراث” تعد الأولى من نوعها التي “تعنى بإحياء هذا التراث وتقديمه بأسلوب معاصر. في هذا الحوار، يجيب المؤرخ ملين عن خمسة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، حول فكرة هذا المشروع، ووقعه المنشود، ودوره في تعزيز السيادة السردية للمغرب على تراثه، وتحديات تطويره.

1. كيف جاءت فكرة “بصمة التراث”، وما الدافع إلى اختيار الرسوم المتحركة كوسيلة لنقل التاريخ المغربي عوضا عن الحوامل التقليدية الأخرى مثل الكتب أو الأفلام الوثائقية؟

انبثقت فكرة «بصمة التراث» من وعي بأهمية تملك السرديات التاريخية المغربية وتعزيزها ليس فقط باعتبارها موروثا ثقافيا بل كركيزة أساسية في تشكيل الوعي بالذات الجماعية. فالهوية لا تبنى على الحاضر وحده بل تتغذى من إدراك مستمر للماضي ومن فهم متجدد لمساراته وانعكاساته على الواقع. في هذا السياق، يصبح التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث بل أداة لإدراك الذات والتفاعل مع محيطها ومقاومة أي محاولات لطمسها أو إعادة تشكيلها من الخارج.

إن التفاعل مع التراث لا يمكن أن يقتصر على الإنتاجات التقليدية بل يجب أن يكون مشروعا مجتمعيا حيا قادرا على مواكبة التطورات المعاصرة. في هذا الإطار، لم تكن «بصمة التراث» مبادرة معزولة. فهي امتدادا لتجارب ناجحة سابقة خضتها على غرار (يقال إن) و(أجي تفهم) التي أثبتت قدرة المحتوى الرقمي المبسط على المساهمة في تحقيق تفاعل واسع مع قضايا ثقافية وتاريخية وهوياتية معقدة.

وجاء اختيار الرسوم المتحركة بوصفها وسيطا مثاليا لنقل هذه الرؤية إلى جمهور أوسع خاصة الأجيال الصاعدة التي باتت تستهلك المحتوى السمعي-البصري أكثر من أي وقت مضى. فبخلاف الحوامل التقليدية التي قد تبدو حكرا على فئات معينة، تتيح الرسوم المتحركة إمكانية تبسيط السرد دون الإخلال بدقته وإعادة بناء المشاهد التاريخية بطريقة إبداعية تمنح المشاهد تجربة أكثر انغماسا وتأثيرا. كما أن هذا الشكل يمنح حرية أكبر في التناول الفني مما يسمح بإعادة إحياء الأماكن والشخصيات والأحداث بأسلوب يتجاوز قيود الإنتاج التقليدي ويجعل التراث حيا في الوجدان الجماعي.

2. قلتم في تقديمكم لهذه السلسلة إنها تجمع بين الدقة العلمية والتشويق السردي، كيف تمكنتم من المزاوجة بين الاثنين؟

كان تحقيق التوازن بين الدقة الأكاديمية والجاذبية السردية أحد أكبر التحديات التي واجهتنا عند تطوير المشاريع الرقمية لاسيما «بصمة التراث». فمن جهة لا يمكن تقديم التاريخ خصوصا المتعلق بمواضيع تراثية حساسة دون احترام المصادر والمناهج العلمية. ومن جهة أخرى لا يمكن تناوله بأسلوب جاف أو معقد قد ينفر الجمهور العريض. لهذا السبب، جاء المزج بين البحث التاريخي العميق والصياغة الفنية المبتكرة بحيث يتم تبسيط المعلومات واستعمال المؤثرات الصوتية والصورية دون الإخلال بجوهرها العلمي.

وفي هذا الصدد، اضطلع مصطفى الفكاك بدور حاسم. فبفضل خبرته في تبسيط المفاهيم المعقدة وإيصالها بطريقة مشوقة، ساهم في تحويل المادة التاريخية إلى سرد سمعي-بصري ممتع يلامس وجدان المشاهد ويحفزه على التفاعل معها. إذ تكمن قوته في الجمع بين اللغة الدارجة التي تقرب المحتوى من الجمهور العريض والقدرة على رواية الأحداث بأسلوب سلس وبعيد عن “الجمود” الأكاديمي. زد على ذلك الرسوم المتحركة والخرائط والوثائق.

لقد أسفر إذن تلاقح الرصانة العلمية والرؤية الفنية عن تقديم عمل يحترم الدقة التاريخية لكنه في الوقت ذاته ممتع وجذاب.

3. ما هي أبرز الموضوعات التي تتناولها “بصمة التراث”، وأي تأثير تتوقعون لهذا العمل (وطنيا ودوليا)؟

تركز «بصمة التراث» على المواضيع التي تعكس عمق الهوية المغربية وتاريخها الغني بتنوعه وامتداداته الجغرافية والحضارية. بدأنا الحلقة الأولى بموضوع الكسكس ليس فقط باعتباره من ركائز المطبخ المغربي بل كرمز ثقافي يحمل دلالات اجتماعية وهوياتية ممتدة عبر قرون، تلتها حلقة مخصصة لتينمل، هذا المعلم الذي كان مهد أكبر إمبراطورية عرفها المغرب، وفضاء لصياغة مشروع مجتمعي شكل تحولا مفصليا في مسار المنطقة. كما كانت تينمل مختبرا فنيا حيث تبلورت ملامح المعمار المغربي الذي ألهم تصاميم كبرى المعالم التاريخية بالمغرب وخارجه. أما الحلقات المقبلة، فستتناول شخصيات وأحداث ومعالم شكلت ملامح الشخصية المغربية.

أما بخصوص الوقع، فعلى المستوى الوطني، نطمح إلى تعزيز الوعي بالتراث وإبرازه كجزء أساسي من الذاكرة الجماعية وإلى تحفيز الأجيال الجديدة على التفاعل معه بوصفه إرثا حيا يتجدد باستمرار. وعلى المستوى الدولي يمكننا عن طريق تقديم مختلف مكونات الشخصية المغربية بشكل حديث وملائم لمتطلبات العصر وتعزيز صورة المملكة الثقافية وتقوية دورها في المشهد الدولي كفاعل حضاري متجذر في تاريخه مستفيدا من قوة التراث كأحد أبرز عناصر القوة الناعمة التي تسهم في بناء الجسور الثقافية وترسيخ حضور البلد في الذاكرة والمخيلة العالمتين.

4. قلتم إن السلسلة تسعى إلى تعزيز السيادة السردية للمغرب على تراثه، كيف ذلك؟

السيادة السردية مفهوم محوري في «بصمة التراث». إذ يعني امتلاك القدرة على رواية التاريخ بوعي ذاتي مستقل وحس علمي رصين حتى لا يكون الماضي مجرد معطى جامد بل ركيزة لبناء الهوية الجماعية. فعلى المستوى المحلي، يساهم هذا الوعي في تعزيز التماسك الاجتماعي عن طريق ترسيخ مشترك يعكس تنوع المغرب وعمقه الحضاري وتفرد سيرورته في إطار رؤية جامعة مانعة. أما على المستوى الدولي، فغياب هذا الوعي يجعل التاريخ والتراث عرضة لإعادة التأويل أو التشويه وفق تصورات خارجية قد تؤدي إلى تهميشهما أو تحريفهما أو نزعهما عن سياقه الأصلي أو حتى انتزاعهما عبر عمليات تملك ممنهجة. وهنا تكمن أهمية مشاريع مثل «بصمة التراث» تسعى إلى تقديم قراءة متماسكة تستند إلى مصادر موثوقة بعيون مغربية بغرض الإبقاء على هذا الإرث في صلب الوعي الوطني رغم محاولات الطمس والتحوير.

5. تتوزع حلقات هذه السلسلة على أيام الجمعة خلال شهر رمضان الكريم، هل تخططون لإنتاج عدد أكبر من الحلقات في المستقبل؟

في الواقع، الهدف الأساسي من اختيار رمضان لعرض الحلقات هو ضمان أقصى درجات التفاعل مع الجمهور نظرا لما يمثله هذا الشهر من لحظات تجمع والاهتمام بالثقافة والتراث. بيد أن طموحنا لا يتوقف عند هذه الحلقات فقط، بل نسعى إلى توسيع المشروع مستقبلا ليشمل مواضيع إضافية بل وربما أشكالا جديدة من السرد البصري. فالهدف النهائي هو خلق مرجع بصري متكامل عن تاريخ وتراث المغرب المتنوع. غير أن استمرار مثل هذا المشروع رهين بالتمويل لإن هذا النوع من الإنتاجات يتطلب موارد كبيرة نوعا ما. ورغم أهمية هذه المهمة، فإن تأمين الدعم يظل من أكبر التحديات التي تواجه هذا النوع من المبادرات الثقافية.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.