يخرج المسار المهني لمارك كارني، رئيس الوزراء الـ24 لكندا، عن المألوف، إذ يعد هذا الاقتصادي أول شخصية تتولى هذا المنصب في هذا البلد بأمريكا الشمالية دون أن يسبق له أن كان نائبا أو ذا تجربة داخل الحكومة.
ترعرع كارني، المزداد سنة 1965 بـ”فورت سميث” في منطقة الأقاليم الشمالية الغربية، في إدمونتون (مقاطعة ألبرتا). وبعد حصوله على شهادة في علوم الاقتصاد من جامعة هارفارد العريقة في سنة 1988، تابع مساره الجامعي في أوكسفورد، بإنجلترا، حيث نال شهادتي الماستر (1993) والدكتوراه (1995) في التخصص ذاته.
انطلق المسار المهني لكارني في بنك الاستثمار (غولدمان ساكس)، حيث شغل مناصب مختلفة بين سنتي 1988 و2003، من بينها المدير العام للخدمات المصرفية الاستثمارية. وفي سنة 2003، عاد إلى كندا حيث تم تعيينه نائبا لمحافظ بنك كندا.
وفي 2008، أصبح كارني محافظا لبنك كندا، في ذروة الأزمة المالية العالمية. قرر آنذاك خفض أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة قياسية، كما حرص على ضمان حصول البنوك الكندية على السيولة الكافية للحفاظ على عملياتها.
في مواجهة الركود، حقق الاقتصاد الكندي أفضل أداء بين نظرائه في مجموعة السبع. وبعد مغادرته البنك المركزي الكندي، عاد كارني إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، ليصبح محافظا لبنك إنجلترا (2013-2020).
بعد هذه الفترة من مساره المهني، وفي 2020، تم تعيين السيد كارني مبعوثا خاصا للأمم المتحدة لتمويل المناخ. وخلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، أطلق تحالف غلاسكو المالي المحايد للكربون، وهو عبارة عن مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية التي تعمل من أجل مكافحة تغير المناخ.
وفي شتنبر الماضي، أصبح مارك كارني مستشارا خاصا للحزب الليبرالي الكندي في شؤون النمو الاقتصادي.
++ دخول لافت إلى مضمار السياسة
عقب استقالة جاستن ترودو من رئاسة الحزب الليبرالي الكندي، قرر كارني أخيرا الأخذ بزمام المبادرة، ثم أطلق حملته الانتخابية استنادا إلى حصيلة أدائه الاقتصادي على رأس البنكين المركزيين لكندا وإنجلترا.
في يناير الماضي، أكد كارني أنه ساهم “في تدبير العديد من الأزمات وفي إنقاذ اقتصادين. أعرف كيف تتم الأعمال وكيف أجعلها تعمل من أجل خدمتك”.
وخلال حملته الانتخابية، حاول كارني أن ينأى بنفسه عن حصيلة أداء جاستن ترودو. وقال: “أعلم أنني لست الليبرالي الوحيد في كندا الذي يعتقد أن رئيس الوزراء وفريقه ربما أهملوا الاقتصاد في كثير من الأحيان”، مؤكدا أن أولويته تتمثل في إنعاش الاقتصاد الكندي.
وفي مواجهة أسماء وازنة في الحزب الليبرالي، من قبيل نائبة رئيس الوزراء ووزيرة المالية السابقة، كريستيا فريلاند، أو كارينا غولد، الرئيسة السابقة للحزب في مجلس العموم، نجح كارني في تحقيق النصر ليتم انتخابه زعيما للحزب، بفضل دعم العديد من الوزراء في حكومة ترودو، ليصبح بذلك تلقائيا رئيس الوزراء الجديد للبلاد.
++ حكومة بمناصب محدودة وذات خبرة
كشف مارك كارني، الذي تعهد بـ”إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح”، عن حكومة بعدد محدود المناصب وذات خبرة، تضم عددا أقل من نواب الجناح التقدمي للحزب الليبرالي مقارنة بالحكومة السابقة.
فقد قام كارني بحذف وزارات شؤون المرأة والتنوع، والشباب، والأشخاص ذوي الإعاقة، وأحدث في المقابل وزارة التحول الحكومي، سعيا منه لتقليص حجم الحكومة. واحتفظ بالعديد من الوزراء من عهد ترودو، من بينهم وزيرة الخارجية، ميلاني جولي.
تمثل أول قرار اتخذه، بعد ساعات قليلة من أداء اليمين الدستورية، في إنهاء تسعير الكربون، الذي لم يكن يحظى بتأييد المستهلكين، والذي كان أحد التدابير الرئيسية في مكافحة تغير المناخ في البلاد.
++ حرب الرسوم الجمركية والعلاقات مع واشنطن
مع نشوب حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وكندا، قرر خليفة جاستن ترودو التوجه إلى أوروبا في أول زيارة رسمية له إلى الخارج بصفته رئيسا للوزراء.
وقال كارني إن حكومة بلاده “ستدافع عن القيم التي نتشبث بها. وستغير الطريقة التي نعمل بها، لتركز على الأهم وتنهج مقاربة عملية لرفع التحديات التي نواجهها”.
ينادي رئيس الوزراء الكندي الجديد بالتقارب الاستراتيجي بين بلاده وحلفائها الأوروبيين الرئيسيين في وقت تراجعت فيه العلاقات مع الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها، وذلك منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي دعا كندا في مناسبة عديدة إلى أن تصبح “الولاية الأمريكية الـ51”.
كان رد كارني على ذلك أن الولايات المتحدة لن تضم بلاده “أبدا”. وقال، في أول خطاب رسمي له: “لن نكون أبدا، بأي حال من الأحوال، جزءا من الولايات المتحدة”، مضيفا أنه سيحاول “إيجاد سبل للعمل مع” الرئيس الأمريكي.
يراهن الحزب الليبرالي الكندي على خبرة كارني الاقتصادية من أجل طمأنة الكنديين، في مواجهة حرب جمركية يمكن أن تعصف بالاقتصاد.
ومن المرتقب أن يدعو مارك كارني بشكل سريع إلى إجراء انتخابات قبل استئناف الجلسات البرلمانية، المقرر في 24 مارس. وفي حال الهزيمة أمام المحافظين بزعامة بيير بوالييفر، فقد أكد كارني أنه سيظل زعيما للحزب الليبرالي الكندي، من أجل المشاركة في إعادة بناء هياكل الحزب.
و م ع