16 أبريل 2025

جمهور وإنتاج ومهرجانات.. السينما المغربية تستعيد بريقها

Maroc24 | فن وثقافة |  
جمهور وإنتاج ومهرجانات.. السينما المغربية تستعيد بريقها

أمام شباك التذاكر في إحدى دور السينما الشهيرة بقلب الرباط، ينتظر في طوابير حشد كثيف. جمهور يرتدي حللا بهية، بينه عائلات وأزواج ومجموعات مراهقين تخلوا عن شاشات هواتفهم الذكية ولوحاتهم الإلكترونية، وقدموا بأعداد كبيرة ليستعيدوا تواصلهم مع الشاشة الكبرى.

يبدو المشهد مفاجئا إلى حد ما، بالنظر للركود الذي تعيشه دور السينما الوطنية المعروفة منذ فترة طويلة. ولكن نظرة سريعة على الأفلام المدرجة في البرنامج تكشف عن أسباب هذا الحماس، حيث يظهر في القائمة فيلم “أوبنهايمر”، وهو فيلم سيرة ذاتية مؤثر لكريستوفر نولان عن “أب القنبلة الذرية” مع الممثل الجذاب سيليان مورفي في الدور الرئيسي، وفيلم “باربي” الكوميدي الخيالي النسوي للمخرجة جريتا جيرفيج، بطولة النجم رايان جوسلينج.

ومن الغريب أن هذين الفيلمين الأميركيين الضخمين ليسا السبب في حضور هذا الحشد من الجمهور، بل فيلم “دادوس”، وهو إنتاج مغربي 100 في المائة، حيث أثار هذا الفيلم لعبد الواحد مجاهد، الذي يجمع كوكبة من كبار الممثلين المغاربة (رفيق بوبكر، ومجدولين الإدريسي، وجميلة الهوني، وغيرهم)، ضجة كبيرة منذ أول عرض له، حتى أنه سرق الأضواء من الإنتاجين الهوليووديين الكبيرين.

وحقق هذا الفيلم الكوميدي الخارج عن المألوف، الذي يتتبع مغامرات منحرف تم إطلاق سراحه مؤخرا ويسعى إلى استعادة ماضيه الإجرامي، أكبر مشاهدة في سنة 2023 برقم قياسي بلغ 164.934 مشاهدة وأزيد من 8.7 مليون درهم من الإيرادات، حسب المركز السينمائي المغربي.

— رياح الانتعاش تهب على السينما المغربية —

وبعيدا عن كونه حالة معزولة، فإن فيلم “دادوس” يندرج ضمن سلسلة أفلام الأحداث التي نجحت منذ سنة 2023 في مصالحة الجمهور المغربي مع السينما الوطنية. وحققت أفلام مثل “أنا ماشي أنا”، و”قلب 6/9″، و”البطاقة الخضراء”، و”العصابات”، و”الثلث الخالي” و”تريبل أ”، و”نايضة”، و”الكل يحب تودا” وغيرها، نجاحا باهرا، حيث تم عرضها في المهرجانات الوطنية والدولية، معلنة بداية عهد جديد للسينما المغربية.

وبدأ هذا الانتعاش سنة 2023، وهي سنة استثنائية بالنسبة للقطاع مع تسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة من حيث الإنتاج والإيرادات والبنية التحتية، واستمر منذ ذلك الحين.

ولم يكن ذلك بمحض الصدفة، بل تعكس استعادة السينما المغربية لبريقها صعودا في جودة هذه الصناعة بأكملها، كما يؤكد العديد من المهنيين في القطاع الذين استجوبتهم وكالة المغرب العربي للأنباء.

وبحسب المخرجة وكاتبة السيناريو جيهان البحار، فإن الزخم الإيجابي الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة يمكن تفسيره بعدة عوامل، لاسيما جودة السيناريوهات التي “تحسنت بشكل واضح”، مع “قصص يتردد صداها في الحياة اليومية للمشاهدين المغاربة، والتي تحكي واقعهم وآمالهم ونضالاتهم بطريقة أكثر أصالة وسهولة في الوصول إليها”.

وأضافت في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء: “لقد شهدنا تقدما تكنولوجيا وتقنيا لا يمكن إنكاره في مجال التصوير والمونتاج والمؤثرات البصرية، مما سمح لإنتاجاتنا ببلوغ مستوى غير مسبوق من الاحترافية”.

وأخيرا وليس آخرا، أعربت مخرجة الفيلم الروائي الطويل “تريبل أ”، الذي حاز على عدة جوائز في مهرجان طنجة الوطني للفيلم ومهرجان سلا الدولي لسينما المرأة، عن سعادتها بـ “صعود ممثلين موهوبين قادرين على أسر الجمهور”.

— الكوميديا تحقق نجاحا مذهلا في شباك التذاكر —

من الملاحظ عند التدقيق في الأمر، أن هناك هيمنة نوع معين يفضله الجيل الجديد من هواة السينما: الكوميديا، بكل أصنافها، مع قليل من الحركة والتشويق. ووصفات قد يستخدمها المنتجون للأحسن أو للأسوأ.

يقول رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما، خليل الدامون، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بخصوص سينما المؤلف أو ما يسمى بالسينما الملتزمة – والأفلام التاريخية، والميلودراما، وغيرها، فنادرا ما تحقق الإنتاجات الوطنية نجاحا باهرا، حتى وإن فازت بجوائز في مهرجانات دولية مرموقة. بعض الأفلام لا يكاد يبقى على الشاشة سوى لأسبوع واحد قبل أن يختفي عن الأنظار.

وبالنسبة لجيهان البحار، ليس من الضروري أن يكون هذان المجالان متعارضين، مبرزة أن “الحل الأمثل يكمن في الجمع بين سينما المؤلف والسينما الشعبية، من خلال إنتاج أعمال تزواج بين الرؤية الفنية وتكون في متناول الجميع. هناك مجالات في السينما المغربية تتطلب مخاطبة قلب الجمهور، وهذا هو الاتجاه الذي يجب استكشافه”. وسواء تعلق الأمر بكوميديا خارجة عن المألوف للتسلية مع العائلة أو دراما اجتماعية تعالج جانبا عن حياة المهمشين، فإن هذه الموجة من الأفلام الرائجة نجحت في إزاحة الجمود بين المغاربة وسينماهم الوطنية، وبالتالي كسر هيمنة إنتاجات هوليوود.

— صناعة سينمائية في ظل بحث عن الاحترافية —

بحسب إدريس الروخ، فإن هذه الأفلام “تتميز بعودة ثقافة الذهاب إلى السينما وتجديد الاهتمام بإنتاج “صنع في المغرب” الذي أصبح يستعيد مكانته في مواجهة الأفلام الأجنبية”.

وشدد الممثل والمخرج التلفزيوني والسينمائي، من أجل دعم هذا الزخم، على ضرورة تعزيز السلسلة بأكملها من كتابة السيناريو إلى التوزيع والترويج في المغرب والخارج، وزيادة عدد دور السينما المحلية، خاصة في المناطق القروية والمعزولة.

وبالتالي فإنه بالرغم من التحسن الواضح المسجل من حيث إنتاج الأفلام (25 إلى 30 فيلما سنويا)، وإنشاء وتجديد دور السينما، التي خصص لها صندوق دعم المركز السينمائي المغربي ميزانية قياسية قدرها 28.5 مليون درهم سنة 2023، فإن الطريق لا يزال طويلا لاستعادة بريق الفن السابع الوطني وما كان عليه خلال حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

ويشكل إصدار القانون رقم 18.23 المتعلق بالصناعة السينمائية في دجنبر الأخير، خطوة مهمة في هذا الاتجاه. ومن بين المساهمات الأساسية لهذا القانون، الذي يحل محل النص القديم الذي يعود تاريخه إلى سبعينيات القرن الماضي، فصل بين مهن التوزيع والملكية من خلال حظر تراكم هاتين الوظيفتين، وذلك بهدف تعزيز المنافسة الحرة. وأشار خليل الدامون، من جهة أخرى، إلى أنه “ليس لدينا حتى الآن تعريف واضح لمهن السينما مع فصل أدوار كل متدخل”، مبرزا أنه في كثير من الحالات، يكون المخرج هو المنتج أيضا، وأحيانا كاتب السيناريو.

وعلى الرغم من أننا بعيدون عن العصر الذهبي للسينما الوطنية، إلا أن فيلم “صنع في المغرب” أضحى يحظى بشعبية أكبر، سواء في الداخل أو الخارج. لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الجهد لضمان استدامة هذا الاختراق وتحقيق طفرة شاملة في صناعة السينما، عبر قطاعات احترافية وشبكة سينمائية موسعة وموزعة بشكل عادل في جميع أنحاء البلاد.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.