قال رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بنعليلو، اليوم الثلاثاء بالرباط، إن منازعات الدولة تشكل في حد ذاتها “معطى صحيا وتعبيرا عن بيئة حقوقية شفافة تتيح حق التظلم والطعن في تصرفات الإدارة”.
وأوضح السيد بنعليلو، في كلمة خلال جلسة عامة حول “منطلقات اعتماد استراتيجية وطنية لتدبير منازعات الدولة والوقاية منها” نظمت في إطار المناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية” (يومي 15 و16 أبريل الجاري)، أنه عندما تتحول المنازعات إلى نهج تدبيري للسياسات العمومية، وتوجها استراتيجيا يرتكز على إدارة “الصراعات القانونية” بشكل ممنهج، فإن الأمر ربما يشكل إعلانا مستترا من الإدارة عن عدم سعيها بالضرورة إلى الامتثال المسبق للقانون، من خلال تفضيلها التعامل مع النزاعات بعد نشوئها، عبر استراتيجيات دفاعية أمام القضاء بدلا من اعتماد نهج استباقي للحد منها وتلافي وقوعها.
فيصبح اللجوء إلى القضاء، يضيف السيد بنعليلو، جزءا من تدبير العلاقات مع المرتفقين أو الفاعلين الاقتصاديين، بدلا من اعتبار القانون مرجعا توجيهيا مسبقا لهذه العلاقة، معتبرا أن هذا التوجه “يؤدي بالضرورة إلى توظيف القضاء كأداة تفاوضية من خلال استخدام المنازعات كوسيلة لتأخير تنفيذ بعض الالتزامات أو لفرض شروط معينة على المعنيين، ويحول القضاء بشكل ما إلى ساحة للتفاوض غير المباشر بدلا من كونه آلية للإنصاف”.
وأبرز أنه لكون منازعات الدولة في أصلها تعبير عن قصور في “عقلانية العلاقة المفترضة” بين أطراف الارتفاق العمومي، بسبب ضعف “الوعي الارتفاقي” في أبعاده “التبادلية” المحكومة بثنائية الحق والواجب، فإن تدبير هذه المنازعات، لن يخرج في جوهره عن كونه عملية إعادة صياغة محددات هذه العلاقة، فتصبح تسوية النزاع، سواء كانت طوعية أو مفروضة، هي جوهر هذه العلاقة في شكلها الجديد، ويصبح التعويض، سواء كان متفقا عليه أو مفروضا بقوة الحكم، هو الثمن المدفوع عن الضرر الناتج عن عدم الانضباط للقواعد والمبادئ الناظمة لهذه العلاقة.
وأشار إلى أن العديد من منازعات الدولة (سواء بين المواطن والإدارة أو بين الإدارات نفسها) تشكل تجليا واضحا لتركيز الإدارة على الدفاع عن قراراتها بدل تحسين أدائها والتركيز على مشروعية قراراتها، مما يجعلها سببا مباشرا لآثار سلبية تنطلق في أبسط صورها من ضعف جودة الخدمات العامة لتصل إلى فقدان الثقة في الإدارة وتراجع مصداقية المؤسسات العامة، مرورا بمجموعة من الآثار الاقتصادية والتدبيرية التي تؤثر على قطاعات أخرى من قبيل الاختناق القضائي الناتج عن تزايد القضايا الإدارية.
وأوضح السيد بنعليلو أن التدبير الاستباقي للمنازعات، القائم على نموذج الوقاية وتحسين أداء الإدارة وتعزيز الشفافية والمساءلة، هو تدبير يعكس دون شك قوة الإدارة الشفافة القائمة على مبادئ الحكامة الجيدة، و”يشكل لا محالة مداخل مهمة للتحكم في واقع منازعات الدولة”، مؤكدا أن هذه الآليات التي يقوم عليها التدبير الاستباقي تشكل منطلقات نموذج أكثر فعالية في موضوع المنازعات لما يترتب عنها من تحسين لأداء الإدارة، ومنع للنزاع قبل وقوعه، وتقليل من تكلفته الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية أيضا.
يذكر أن هذه المناظرة، التي تنظمها وزارة الاقتصاد والمالية (الوكالة القضائية للمملكة)، بتنسيق مع شركائها تروم الوصول إلى تصور موحد حول تدبير منازعات الدولة يسمح بالوقاية من مخاطره، وضمان تدبيرها التدبير الأمثل، وفق رؤية تقوم على اليقظة والاستباق ودعم القدرات.
ويتضمن برنامج هذه المناظرة عقد جلسات عامة تناقش مواضيع تهم “منطلقات اعتماد استراتيجية وطنية لتدبير منازعات الدولة والوقاية منها”، و”تدبير منازعات الدولة من خلال التجارب المقارنة”، و”الإطار القانوني المنظم لمهام الدفاع عن أشخاص القانون العام والتحديات المطروحة في مجال تدبير المنازعات”، و”دور التدبير التوقعي للمخاطر القانونية والمالية في تعزيز الحكامة القانونية داخل المرفق العام”.
كما يشمل تنظيم ورشات تتطرق إلى “الإشكاليات المطروحة بخصوص تدبير منازعات الاستثمار والوسائل البديلة لفض المنازعات”، و”المنازعات العقارية لأشخاص القانون العام وأثرها على حق الملكية والمشاريع الاستثمارية”، و”الإشكالات المرتبطة بتنفيذ الأحكام القضائية واسترداد المال العام”، و”دور الرقمنة في التدبير الأمثل لمنازعات الدولة والوقاية منها”.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.