في عالمنا المعاصر، لم تعد ثروات الدول تقاس، كما كانت في السابق وبالقدر نفسه، بما تختزنه من موارد طبيعية أو حتى بما تعتمده من أساليب تقليدية في العمل والإنتاج، بل بما ت نتجه من أفكار، وما تبتكره من حلول لمواجهة التحديات المتزايدة.
وأمام ما يعرفه العالم من تغيرات مناخية ملحة، وأزمات اقتصادية متلاحقة، وتحديات صحية تهدد استقرار المجتمعات، باتت الحاجة إلى الإبداع والابتكار أكثر إلحاحا، باعتبارهما الوسيلتين الأنجع لصياغة حلول جديدة قادرة على مواكبة التحولات وبناء مستقبل أكثر مرونة واستدامة.
فالإبداع اليوم هو القوة التي تعيد رسم ملامح المستقبل، وهو محرك التنمية والوسيلة الأنجع للتعامل مع الأزمات المعقدة التي تعاني منها العديد من المجتمعات.
والعالم يخلد اليوم العالمي للإبداع والابتكار، الذي يصادف 21 أبريل من كل سنة، يبرز الدور المحوري للإبداع والابتكار في إيجاد حلول مستدامة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التنمية الشاملة، بما يسهم في بناء مجتمعات أكثر صمودا وازدهارا في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
تحفيز الإبداع والابتكار في المجتمعات
وفي هذا السياق، يؤكد العالم والمخترع المغربي، رشيد اليزمي، أن “الفضول الإيجابي” يشكل العامل الأساسي لتحفيز الإبداع والابتكار في المجتمعات، مشددا، في هذا الصدد، على أهمية التساؤل المستمر والانتباه للتفاصيل الدقيقة كمفتاح لكل تطوير أو اختراع.
وقال السيد اليزمي، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار، إن كل اختراع أو تطوير يبدأ من ملاحظة بسيطة، من سؤال ي طرح: ما الذي ينقص هذا الشيء؟ وكيف يمكن تحسينه؟”، مضيفا أن “كل ما نراه أمامنا من تقدم ليس النهاية، بل مجرد بداية لمراحل أخرى من الإبتكار، وكل شيء قابل للتطوير”.
وأشار إلى أن الشغف بالقراءة يلعب دورا محوريا في مسار الابتكار، داعيا الشباب إلى الانفتاح على الكتب والمجلات العلمية والبحثية، لما لها من أثر في تغذية الخيال وتوسيع آفاق المعرفة.
خلق جيل من المبتكرين والمخترعين
وأكد الخبير المغربي أن التعليم والبيئة المحفزة والدعم المؤسسي عوامل أساسية في خلق جيل من المبتكرين والمخترعين، مشددا، في الوقت ذاته، على أن الإبداع الحقيقي غالبا ما ينبع من أشياء يتعلمها الفرد خارج أسوار المؤسسات التعليمية.
ودعا، في هذا الصدد، إلى تشجيع الشباب على الانخراط في أنشطة علمية خارج المناهج الرسمية، مبرزا الحاجة إلى “د ور للعلم”، على غرار “دور الشباب”، تتيح للناشئة فرص التجريب والاستكشاف في بيئة محفزة.
كما شدد على ضرورة خروج الشباب من “منطقة الراحة” المتمثلة في الاكتفاء بالعادات اليومية الروتينية، داعيا إياهم إلى المغامرة بتعلم أشياء غير اعتيادية، والاستكشاف والتساؤل، وتجاوز حدود المألوف كخطوات أساسية نحو الإبداع والابتكار.
واقع البحث العلمي والابتكار في المغرب
وقال العالم المغربي، الحاصل على عدد من براءات الإختراع، أن البحث العلمي والابتكار في المغرب يشهدان تطورا ملحوظا، مبرزا الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لدعم المعاهد البحثية وتطويرها.
كما شدد على ضرورة توجيه البحث العلمي نحو تطبيقات علمية لا تكتفي بما هو نظري، لإيجاد حلول لمختلف التحديات الكبرى التي تواجه المملكة، لاسيما إشكالية المياه والجفاف، مؤكدا على أهمية الابتكار في القطاع الفلاحي والطاقات المتجددة، من خلال تطوير تقنيات تعزز الإنتاجية والجودة، وهو ما سينعكس إيجابا على صحة المواطنين والنمو الاقتصادي للبلاد.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الابتكار العلمي
وبخصوص تأثير الذكاء الاصطناعي على الابتكار العلمي، اعتبر السيد اليزمي أن هذا الأخير يمثل امتدادا طبيعيا للتطورات التكنولوجية التي عرفها العالم خلال العقود الماضية، مؤكدا أنه لا يختلف في جوهره عن تحولات كبرى شهدناها من قبل، مثل ظهور الإنترنت أو الهواتف الذكية، والتي بدت حينها “ثورات” تكنولوجية، لكنها أضحت اليوم جزءا من الحياة اليومية.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي قد يثير بعض المخاوف، خاصة في ما يتعلق بإمكانية استبدال الإنسان و تهديد البشرية، معتبرا، مع ذلك، أن طبيعة الإنسان تجعله متأقلما وتدفعه إلى تطوير أدوات تخدمه وتحسن من جودة حياته، وليس إلى تدمير ذاته.
ولعل تأملا بسيطا في مسار التاريخ البشري يكشف بوضوح عن قوة الإبداع والابتكار في تشكيل عالمنا المعاصر. فمن اكتشاف النار الذي أضاء عتمة الماضي والحاضر، إلى اختراع الطباعة التي نشرت المعرفة على نطاق واسع، مرورا بثورة الاتصالات التي قربت المسافات وحولت العالم إلى قرية صغيرة، ووصولا إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التي تعد بإعادة تشكيل مستقبلنا، ظهرت كل هذه التحولات الجذرية كثمرة لعقول مستنيرة لم ترض بالواقع كما هو، بل سعت دائما إلى استكشاف الممكن وتجاوز المستحيل.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.