في أوقات الأزمات تظهر متانة الصداقة، ولا شك أن أزمة جائحة كوفيد-19 التي هزت أركان العالم ولا تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن، أبانت عن عمق روابط الصداقة والتعاون التي تجمع بين المغرب والصين، اللذان قدما نموذجا للتآزر والتعاون زمن الوباء.
وفي الواقع، فقد انتقل التعاون بين المغرب، الرائد إفريقيا، والصين، العملاق الآسيوي، إلى مرحلة أكثر عمقا في زمن الجائحة، ولم يقف عند حدود تقديم اللقاحات وتبادل الخبرات في المجال الصحي، وإنما انخرط البلدان في مشروع طموح لتصنيع وتعبئة اللقاحات المضادة لكوفيد-19، في خطوة تعكس المستوى المتميز للعلاقات الثنائية وتعزز دينامية الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين والتي تمتد ثمارها إلى بلدان القارة الإفريقية.
وهكذا، ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في الخامس من يوليوز الماضي، بالقصر الملكي بفاس، حفل إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد- 19 ولقاحات أخرى بالمغرب.
ويهدف هذا المشروع إلى إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد ولقاحات أخرى رئيسية بالمملكة لتعزيز اكتفائها الذاتي، بما يجعل من المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على الصعيد القاري والعالمي في مجال صناعة “التعبئة والتغليف”.
ويروم المشروع، الذي يعد ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص، إطلاق قدرة أولية على المدى القريب لإنتاج 5 ملايين جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19 شهريا، قبل مضاعفة هذه القدرة تدريجيا على المدى المتوسط. وسيعبئ المشروع استثمارا إجماليا قدره 500 مليون دولار.
كما سجل المغرب حضورا قويا في المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك) الذي انعقد بديامنيديو قرب العاصمة السنغالية دكار، في نونبر الماضي.
وخلال هذا الحدث، أكد السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن المغرب يظل ملتزما بالعمل مع الصين ومن أجل إفريقيا لتحقيق تعاون “براغماتي ومتضامن”.
وأبرز السيد بوريطة، في كلمة ألقاها نيابة عنه سفير المغرب بالسنغال الطالب برادة، أنه بغض النظر عن جائحة كوفيد-19، فإن المغرب الذي يعمل على الدوام لأن يكون محفزا ومحركا للتنمية وللسلام والأمن في إفريقيا، يجد نفسه بشكل طبيعي في المبادرات، التي تعزز التعاون جنوب جنوب، الفعال ومتعدد الأبعاد والمتضامن، مثل منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك).
وفي مجال الأعمال، حرص الفاعلون الاقتصاديون بكلا البلدين على مواصلة تعزيز التعاون خلال هذه السنة التي تشارف على الانتهاء عبر عدد من المبادرات رغم الصعوبات التي فرضتها الجائحة، حيث انعقد في يونيو الماضي بأكادير ملتقى الأعمال المغربي الصيني ( موروكوتشايينا كونسول فوروم)، وذلك بمشاركة مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والصينيين.
وجرى خلال هذا الملتقى، الذي نظم من طرف الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب بشراكة مع مجلس إنعاش التجارة الخارجية الصيني، إطلاع الفاعلين الاقتصاديين الصينيين على فرص التجارة والاستثمار المتاحة في المغرب وفي جهة سوس ماسة على وجه الخصوص.
وسعى هذا الملتقى إلى خلق دينامية وإطلاق شراكات فعلية بين المقاولات في البلدين، إلى جانب تشجيع المقاولات الصينية على إقامة مشاريع استثمارية بسوس ماسة.
وبخصوص الشراكة بين البلدين في مجال المشروع الرائد “مدينة محمد السادس طنجة تيك”، فقد قام وفد من مجموعة “سي سي سيسي/سي ار بي سي”، برئاسة نائب رئيس إدارة (سي آر بي سي)، رئيس (شاينا هولدينغ كومباني)، بينغ تشياوجون، بزيارة إلى المغرب في أبريل الماضي في إطار تفعيل هذا المشروع .
وخلال هذه الزيارة، استقبل رئيس (بنك أوف أفريكا)، عثمان بنجلون، الوفد الصيني بمقر البنك، وجدد خلاله التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لمشروع “مدينة محمد السادس طنجة تيك”، والتي تعكس تميز العلاقات بين الصين والمغرب بإرساء أسس مدينة صناعية عصرية ومستقبلية وإيكولوجية، متصلة بالتكنولوجيات الجديدة ورمز لإفريقيا منفتحة على العالم بأسره.
كما أولت الصين اهتماما بالغا بالنموذج التنموي الجديد في المغرب، حيث أكد السفير الصيني بالرباط، لي تشانغلين، على هامش تقديم رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، شكيب بنموسى، لخلاصات التقرير لعدد من السفراء وأعضاء بالسلك الدبلوماسي المعتمد بالمغرب، في يونيو الماضي، أن بلاده تولي أهمية بالغة للتقرير العام حول النموذج التنموي الجديد في المغرب بهدف تحديد فرص جديدة للتعاون الثنائي.
وقال السفير “لقد عبأنا مترجمين صينيين يعملون في المغرب لترجمة هذا التقرير”، مبرزا أن إنجاز هذه الترجمة يأتي للتعرف على أولويات التنمية في المملكة وتحديد الفرص الجديدة المتاحة بغرض تعزيز التعاون الثنائي وملاءمة هذه الأولويات مع الاستراتيجية الصينية في هذا المجال، بهدف الارتقاء بعلاقات الشراكة بين البلدين إلى مستوى أعلى.
وفي إطار تعزيز التعاون بين البلدين، تم في 6 دجنبر بالدار البيضاء، التوقيع على اتفاقية شراكة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهواوي المغرب.
وتهدف هذه الاتفاقية، الموقعة من طرف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، والمدير العام لهواوي المغرب، جيري تشوي، إلى إرساء أسس شراكة مبتكرة في المجالات التكنولوجية والرقمية من أجل تيسير ولوج الطلبة لسوق الشغل.
كما جرى عقد المنتدى الثالث للمدن التاريخية والثقافية الصينية المغربية، في فاتح يونيو الماضي عبر تقنية الفيديو، بمشاركة مسؤولين ومنتخبين محليين وفاعلين مدنيين واقتصاديين من البلدين، يمثلون مدن تشنغدو وبينغزو وميشان الواقعة في مقاطعة ستشوان جنوب غرب الصين، ومدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب.
ويهدف منتدى المدن التاريخية والثقافية الصينية المغربية، الذي انطلق في 2018، إلى التعريف بالمدن التاريخية والثقافية بكلا البلدين، والنهوض بالتعاون في مجال حمايتها، وتقاسم الخبرات في مجال التدبير وكذا تعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي بين كل من مقاطعة ستشوان والجهات والمدن المغربية.
ولمواكبة هذه الدينامية في العلاقات المغربية الصينية، أكد المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، السيد خليل الهاشمي الإدريسي، خلال مباحثات مع سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، السيد لي تشانغلين، في يونيو الماضي، استعداد الوكالة، كشريك إعلامي، لمواكبة الجهود المبذولة لتعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين.
وتبدو آفاق التعاون بين المغرب والصين خلال السنة المقبلة واعدة بالنظر إلى حجم مشاريع التعاون التي تجمع بينهما وأيضا توجههما نحو تعزيز التعاون مع القارة الإفريقية، وفق أسس متينة تعززت بفضل الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للصين سنة 2016، والتي تميزت بتوقيع قائدي البلدين على شراكة استراتيجية ثنائية.
و م ع