رغم مرور زمن طويل على وثيقة المطالبة بالاستقلال ( 11 يناير من 1944)، التي سيتم تخليد ذكراها غدا الثلاثاء، فإنها ما تزال تحمل في طياتها دلالات ومغازي عميقة.
فهذا الحدث، كما جاء على لسان السيد عبد الكريم الزرقطوني رئيس مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يحمل الكثير من العبر والدروس التي يمكن أن تشكل مفتاحا لحل الكثير من منغلقات المرحلة الراهنة.
1- من أي زاوية يمكن قراءة هذه الوثيقة مجددا بعد كل هذه السنوات من رفعها من قبل عدد من الوطنيين يوم 11 يناير من سنة 1944؟
– لا شك أن هذه الوثيقة تكتسي كل عناصر الراهنية رغم مرور عقود زمنية طويلة على الحدث، وعلى ارتداداته على أداء أسرة العمل الوطني.
وإذا كانت سياقات تقديم الوثيقة أضحت معروفة ومتداولة على نطاق واسع، فالمؤكد أن تأثيراتها اللاحقة على العمل الحزبي والتنظيمي والتأطيري ظلت قائمة إلى يومنا هذا.
لقد أسست وثيقة 11 يناير لسنة 1944 لخطاب مرجعي طبع أداء الحركة الوطنية داخل مجمل أنوية العمل الوطني التعبوي المباشر، ثم داخل تنظيمات المقاومة المسلحة التي اعتبرت الوثيقة تعاقدا أخلاقيا يجب العمل على بلورته في مواجهة الخطاب الكولونيالي الهيمني.
لقد طبع هذا التحول مسار الحقل الحزبي والمجال المدني، ليساهم في انبثاق برنامج الحركة الوطنية التحرري، بالانتقال من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.
تعكس الوثيقة، إذن ، تنامي الوعي الوطني الذي نجح في تجاوز انكسارات مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، عندما انهزمت حركات المقاومة المسلحة الأولى بالبوادي. يومها، اعتقد المستعمر أن المجال أصبح مواتيا للانتقال إلى مرحلة التدجين الشامل، لولا حنكة وطنيي المرحلة ولولا نضج إطاراتهم المدنية والتعبوية المنخرطة في صنع لحظة الانتقال إلى رسم معالم التحول يوم 11 يناير من سنة 1944.
2- كيف يمكن تمرير مغازي هذه الذكرى ودلالاتها للأجيال الحالية في شقها المتعلق بالدفاع عن الوطن وقيم الوطنية الحقة؟
– أعتقد أن الحدث يحمل العديد من العبر والدروس التي يمكن أن تشكل مفتاحا لحل الكثير من منغلقات المرحلة الراهنة … ما يهمني بالدرجة الأولى، تلك الروح التي صنعت القيم التحررية النبيلة التي التأم حولها المغاربة على اختلاف أطيافهم، وعلى تعدد انتماءاتهم وعلى تباين مواقفهم، موحدين حول الشعارات والثوابت والمقدسات التي لا محيد عنها على الإطلاق، وعلى رأسها حرية البلاد واستقلالها تحت قيادة ملك البلاد السلطان محمد بن يوسف قدس الله روحه.
هي الروح نفسها التي نراهن عليها اليوم من أجل تدعيم المكتسبات، وترسيخ السيادة الوطنية، واستكمال الوحدة الترابية، وتحصين مناعة البلاد .
لقد حدثت تغيرات كبرى في المشهد السياسي المغربي العام بعد أن رحل الاستعمار غير مأسوف عليه، ومع ذلك، فقد ظلت مبادئ وثيقة 11 يناير تحمل كل عناصر التوهج والقوة لتعبئة النفوس ولحشد الطاقات من أجل استكمال مسيرة الآباء وتضحيات الأجداد .
3- الاحتفال بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يأتي هذه السنة ومؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث قد اختارت الاحتفاء بسير موقعي وثيقة 11 يناير المجيدة.. ما هي دلالات ذلك؟
– حرصنا هذه السنة، داخل مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث على تنظيم احتفالية كبرى بالحدث، من خلال التنسيق مع إخواننا داخل مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة، وذلك بتقديم شريط وثائقي تحت عنوان ” قصة مدرسة النهضة”، وهو الشريط الذي أخرجه الأستاذان عثمان بلافريج ووليد أيوب .
يمكن القول إن تقديم هذا الشريط لجمهور مدينة الدار البيضاء يوم 11 يناير 2022 ، يشكل تعبيرا عن امتناننا الكبير لذكرى تضحيات رجال عظام في عطائهم وفي جهادهم .
كما أنه اختزال لمسار طويل من جهود الحركة الوطنية الهادفة لبناء الإنسان، عبر مدخل التربية والتعليم، فالنضال الوطني الذي أطرته وثيقة 11 يناير لم يكن سياسيا صرفا ولا تعبويا خالصا، بقدر ما أنه اتخذ بعدا إنسانيا رحبا جعل من معركة تحرير النفوس من براثن الجهل والتخلف والأمية ، جهادا ساميا للارتقاء بالإنسان الحر في وطن حر وبين أحضان فضاء حر.
كان الأمر يشكل عملة واحدة بوجهين متلازمين، تحرير الوطن من الاستعمار من جهة، وتحرير الإنسان من مهاوي الجهل والانحطاط من جهة ثانية . هذه هي رسالة 11 يناير 1944 التي ظل الشعب المغربي حريصا على تمثل دروسها وعلى تحيين قيمها. هي رسالة من جيل إلى جيل، وأمانة أحرار لأحرار، ومسار نضال مسترسل من أجل وطن حر وشعب أبي .
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.