في سنة سياسية بامتياز مع إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل والاستحقاقات التشريعية في شهر يونيو المقبل، شهد الدخول السياسي في فرنسا اضطرابا قويا بفعل موجة خامسة متسارعة لوباء “كوفيد-19″، مصحوبة بالتفشي النوعي لمتحور “أوميكرون”.
فسواء في البرلمان أو لدى مرشحي الانتخابات الرئاسية، أضحى الوباء حاضرا بقوة، مهددا بقلب كل شيء رأسا على قبل ثلاثة أشهر من هذه الاستحقاقات.
ويذكر هذا الوضع على نحو غريب بالاضطرابات التي طبعت الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جرت في خضم الموجة الأولى من فيروس “كورونا” المستجد، ويثير مخاوف تتعلق على الخصوص بنسبة المشاركة.
وإذا كانت الإجراءات الأخيرة المفروضة من قبل الحكومة قصد مواجهة الارتفاع غير المسبوق في حالات الإصابة بالعدوى، قد أقرت قيودا تشمل التظاهرات الثقافية والرياضية، فإن السلطات من جهة أخرى، استثنت التجمعات الانتخابية من هذه القيود المحددة لأعداد المشاركين، ولكن في ظل الامتثال لقواعد التباعد الاجتماعي بصفة خاصة.
وفي مواجهة هذا المعطى الجديد، يحاول المرشحون تدبير الوضع قدر الإمكان، خوفا من انخفاض عدد مؤيديهم في اللقاءات الانتخابية.
وفي هذا السياق، اجتمعت الحكومة، الأحزاب السياسية والمرشحون الذين أعلن عن ترشيحهم بشكل رسمي، يوم الثلاثاء، عن طريق تقنية التناظر المرئي، من أجل مناقشة كيفية ضمان سير الحملة والاقتراع بسلاسة، والمقرر عقدهما في 10 و24 أبريل المقبل، أثناء فترة انتشار “كوفيد-19”.
وفي وضع استثنائي، شكل رئيس الوزراء، جان كاستكس، “لجنة تنسيق” ستجتمع بانتظام من أجل “الوقوف على الصعوبات التي يواجهها المرشحون” وضمان “تفاعل الإدارة من أجل الاستجابة للأسئلة التي قد تطرح”.
وعلى الجبهة التشريعية، تحتدم النقاشات منذ بضعة أسابيع بين مجموعات الأغلبية والمعارضة في كلا الغرفتين، من أجل التوصل إلى اتفاق حول جواز التلقيح المثير للجدل.
وفي الواقع، بغية الحد من الزيادة غير المسبوقة في عدد الإصابات وإقناع المشككين الذين يفوق عددهم 5 ملايين شخص، بضرورة تلقي اللقاح، عرضت الحكومة على البرلمان مشروع قانون لاستبدال الجواز الصحي المعمول به إلى حدود الساعة بجواز للتلقيح.
ويفرض النص الذي تم التصويت عليه، مساء الأربعاء، من طرف مجلس الشيوخ بعد إدخال تعديلات واسعة عليه، على الأشخاص البالغين الإدلاء بجواز التلقيح من أجل الولوج إلى العديد من الأماكن العمومية.
بعد ذلك، سيجتمع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ في لجنة مشتركة متكافئة لمحاولة التوصل إلى اتفاق حول صيغة مشتركة.
وبمجرد اعتماد البرلمان لمشروع القانون، سيكون من الضروري إثبات تلقي اللقاح بغية التمكن من ولوج الأنشطة الترفيهية، المطاعم، الحانات والمعارض أو وسائل النقل العمومي الرابط بين الجهات. ولن يكون الاختبار السلبي كافيا، باستثناء الولوج إلى المؤسسات والخدمات الصحية.
وإذا كان النص يشكل موضوع نقاشات محتدمة تحت قبة البرلمان، ولكن أيضا في البرامج الحوارية التلفزيونية، فإن معارضة مشروع القانون الذي تريده الحكومة، والذي يفرض، بحسب منتقديه، “إجبارية مقنعة لتلقي التطعيم”، أضحت جلية أيضا في الشوارع، وذلك خلال مظاهرات يوم 8 يناير، التي استقطبت أزيد من 100 ألف شخص بمختلف المدن الفرنسية.
وعلى المستوى الاجتماعي، أثارت الإجراءات الجديدة المعتمدة من طرف السلطة التنفيذية والتعديلات المتتالية التي لحقت البروتوكول الصحي بالنسبة للمدارس، غضب المدرسين وأججت حركة احتجاجية كبيرة ترتب عنها إضراب وطني للمدرسين.
وبحسب النقابات، فقد أضرب واحد من كل ثلاثة معلمين الخميس الماضي للتعبير عن معارضتهم لهذه الإجراءات، داعية أيضا إلى استقالة وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكير، الذي يحظى بـ “الدعم الكامل” للفريق الحكومي، حسب ما قاله المتحدث الرسمي باسم الجهاز التنفيذي.
وفي فرنسا، كما هو الحال في جميع أرجاء أوروبا، أضحى الوباء حاضرا بقوة في النقاشات السياسية، في الوقت الذي تؤثر فيه تداعياته على جميع جوانب الحياة اليومية.
وتعلق السلطات السياسية والصحية آمالا كبيرة على السلاح الوحيد المتاح، أي التلقيح، لاسيما من خلال الجرعة الثالثة المعززة، سعيا إلى إنقاذ الأرواح، ولكن أيضا الحفاظ على سير العجلة الاقتصادية، التي تأثرت بشدة خلال الموجات السابقة.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.