يزخر إقليم الناظور بمؤهلات طبيعية تتجلى أساسا، في مجاله الغابوي الشاسع، الذي يمتد على مساحة 72 ألف هكتار، ويتشكل، على الخصوص، من غابات، ومحيطات التشجير، ومروج الحلفاء، بالإضافة إلى نباتات عطرية وطبية.
ويتوفر الإقليم، علاوة على ذلك، على مواقع ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية؛ منها رأس الفرشات الثلاث، وصبغة بوعرك، ومصب واد ملوية، بالإضافة إلى غابة أو موقع كوركو الفريد من نوعه الذي يتميز بمرتفعاته الجبلية، وكذا بقلعه الأثرية.
هذا الموقع الإيكولوجي، الذي يتواجد على بعد 20 كيلومترا عن مركز الناظور، ويمتد على مساحة 5200 هكتار، على امتداد سلسلة الجبال المحيطة بالمدينة، يضم أكثر من 70 صنفا نباتيا (منها 10 أصناف نادرة)، بما في ذلك الصنوبر، والكافور، والثويا، والبلوط، والسرو.
كما تضم غابة كوروكو، التي تعتبر أكبر غابة قريبة من مدينة الناظور، أصنافا حيوانية مهمة؛ أهمها القرد البربري (Singe magot) النادر والمهدد بالانقراض (حوالي 252 فرد)، بالإضافة إلى مجموعة من الطيور؛ منها نوعين يشكلان أهمية دولية (نقار لوفايون / Pic de levaillant، وحميراء موسييرية /Rubiette de moussier ).
فهذا التنوع الإيكولوجي والبيولوجي، إلى جانب الطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة، تجعل من هذا الموقع الغابوي، الذي تتقاسمه أربع جماعات ترابية بالإقليم، وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة والسياحة، وكذا للزوار الوافدين من مناطق مختلفة، لاسيما من ساكنة المدينة والمناطق المجاورة.
لكن مجموعة من العوامل والسلوكات المسيئة للبيئة والطبيعة التي تواجه هذا الموقع، تقتضي ضرورة مواصلة العمل من أجل الحفاظ على هذا الموروث الطبيعي وتثمينه. هذه السلوكات، التي تتجلى أساسا في النفايات التي يتم التخلص منها بطريقة عشوائية من قبل بعض الوافدين خلال رحلاتهم الترفيهية، وكذا خطر اندلاع النيران، من شأنها أن تهدد هذه الغابة، التي تعد المتنفس الطبيعي الوحيد لساكنة المنطقة، بالتلوث البيئي وتسبب في اختلال توازن المنظومة الإيكولوجية.
ومن أجل التحسيس بهذه المخاطر، وبأهمية الحفاظ على رونق الغابة من قبل الزوار، وحماية البيئة بصفة عامة، بادر نادي إثري الريف الرياضي الناظوري للرياضات المائية والجبلية، مؤخرا، بمساهمة شركاء محليين ومتطوعين وتلاميذ مؤسسات تعليمية، بتنظيم “مبادرة الأيدي الخضراء” المتمثلة في حملة نظافة كبرى لغابة كوروكو “رئة الناظور”.
هذه المبادرة، التي عرفت أيضا تثبيت حاويات للقمامة بمحيط الغابة، وغرس شتائل وأشجار، وورشات للأطفال، إضافة إلى أنشطة أخرى بيئية وثقافية، تروم نشر الوعي بأهمية الحفاظ على نظافة هذه الغابة وحمايتها من التلوث، وترسيخ القيم البيئية في السلوك المدني للساكنة والأجيال الصاعدة.
وفي هذا الصدد، أكد المدير الاقليمي للمياه والغابات ومحاربة التصحر بالناظور، عزيز الكنافي، في تصريح للقناة الإخبارية (M24) التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أهمية هذه الغابة المصنفة كموقع وخزان للتنوع الإيكولوجي والبيئي، وذلك بالنظر للتشكيلات الغابوية التي تمتد عليها، ولمجموعة من الأصناف الحيوانية النادرة التي تضمها، بالإضافة لموقعها كمرآة للإقليم ورئته، مشيرا إلى العناية التي يوليها مختلف المتدخلين لهذا الفضاء لكي يكون في أبهى حلة لاستقبال الزوار والوافدين من مختلف جهات المملكة.
وأبرز السيد الكنافي، المجهودات التي تبذلها المديرية الإقليمية للمياه والغابات (قطاع المياه والغابات) لتطوير القطاع، والمتمثلة أساسا؛ في خلق نموذج جديد بمقاربة تشاركية، وتدبير وتطوير المجالات الغابوية حسب مؤهلاتها، وكذا العمل على رقمنة القطاع، والقيام بمجموعة من برامج التشجير التي تنعكس أساسا على الساكنة عبر أنشطة مدرة للدخل، بالإضافة إلى الاستعدادات المكثفة للحد من اندلاع النيران في هذه المواقع، والتي تتجاوز 30 حريقا سنويا في المنطقة.
من جهته، أكد رئيس نادي إثري الريف الرياضي الناظوري للرياضات المائية والجبلية، سفيان المقدم، على ضرورة تعبئة مختلف الشركاء واستقطاب حماة الطبيعة للتحسيس بأهمية الحفاظ على هذا الموقع الإيكولوجي الفريد من نوعه الذي يعاني من الإهمال وغياب المرافق وكذا تأهيله.
وأضاف أنه بفضل تظافر جهود كافة الشركاء، فإنه بالإمكان تجاوز السلوكات البشرية التي يعاني منها هذا الموقع الذي له إرث تاريخي عريق والمصنف أيضا ضمن التراث الوطني، معربا عن أمله أن تكون الأجيال الصاعدة التي هي المستقبل، جزءا من الحل وتساهم في التخفيف من هذا الوضع والانخراط في المبادرات الرامية إلى الحفاظ على الغابة وحماية البيئة بصفة عامة.
أما الفاعل الجمعوي، أحمد غودان، فأكد بدوره، على أهمية هذا الموقع الإيكولوجي والسياحي والأثري بإقليم الناظور إلى جانب المنتجعات الأخرى الشاطئية والبحرية، مشيرا إلى أن مبادرة “الأيدي البيضاء” جاءت للتخفيف من ضغط النفايات على هذا المنتجع الذي يعاني من الاهمال عبر تنظيم حملة نظافة، وتثبيت حاويات في مواقع بالغابة، إلى جانب تحسيس الأسر والزوار الوافدين بأهمية الحفاظ على البيئة.
وشدد أيضا على ضرورة رد الاعتبار للمغارات والقلع الأثرية المتواجدة في المنطقة والتي أصابها الإهمال، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أهمية ترميم دار الإيكولوجيا والتربية البيئية بموقع كوروكو، وجعلها كمتحف أثري إيكولوجي وتحسيسي بقضايا البيئة، وكذا فضاء لاحتضان تظاهرات رياضية وثقافية وفنية، وبالتالي المساهمة في تطوير السياحة البيئية بالمنطقة.
وتبقى مرتفعات كوروكو، بما تتميز به من إطلالة على البحر والمدن والقرى المجاورة، وكذا من مناظر جبلية وسهول خضراء، موقعا تاريخيا وجغرافيا مهما لتنشيط حركة السياحة المسؤولة لفائدة البيئة والمجتمع والاقتصاد.
و م ع