قال مدير دار الشعر بمراكش، السيد عبد الحق ميفراني، إنه يمكن للثقافة والفن أن يفتحا نافذة على الأمل والتفاؤل، لتجاوز تبعات المرحلة العصيبة الناجمة عن جائحة (كوفيد – 19)، التي طالت انعكاساتها الوخيمة العالم بأسره.
وأوضح السيد ميفراني، في حديث لقناة (M24) الإخبارية التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الجائحة أثرت بشكل لافت على الأنشطة الثقافية والفنية، ليس فقط داخل المغرب، وإنما على صعيد العالم، مبرزا أن العديد من المفكرين والباحثين والدارسين يجمعون على أنه يمكن للفعل الثقافي والفني عموما، أن يشكل بارقة أمل، بفضله يمكن أن نفتح كوة على الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء، وليس فقط للجمهور الذي يتلقى هذا الفعل، لتجاوز هذه الانعكاسات والسلبيات والتعافي منها.
وأضاف أنه من خلال الثقافة والفن استطاعت العديد من المبادرات، التي كانت حاضرة ضمن الحركية التي شهدتها هذه الفترة العصيبة التي تمر منها الإنسانية، أن “تعيد نوعا من الثقة، أو ما يمكن أن نسميه نوعا من الاتزان النفسي للجمهور، وجعله ينظر بنظرة أكثر تفاؤلا للمستقبل، بحكم أن هذه المرحلة كانت صعبة على الكثير من الناس، سواء على المستوى الاجتماعي، أو الاقتصادي، وحتى النفسي، لكن كانت للفعل الثقافي والفني تلك القدرة على أن يعيد نوعا من التفاؤل والثقة للجمهور”.
وتابع مدير دار الشعر بمراكش أن “ما لاحظناه خلال هذه الفترة العصيبة هي قدرة الثقافة والفن عموما، وليس الشعر فقط، على أن يشكلا ذلك الملجأ والملاذ للإنسان، وكذا القدرة التي أبان عنها الفعل الثقافي في أن يشكل هذه النافذة التي نطل من خلالها بتفاؤل على الغد”.
وفي معرض حديثه عن تأثير الجائحة على الدينامية والحركية الثقافية بالمدينة الحمراء، وجهة مراكش – آسفي، بصفة عامة، ذكر السيد ميفراني بأن الجائحة، التي مست ليس فقط المغرب ولكن العالم بأسره، أثرت على التظاهرات الثقافية والفعاليات الفنية، على حد سواء، لكن الجانب الثقافي والفني شكل دائما، في هذا الخضم، ذلك المشتل والفضاء الأمثل لتفاعل وتلاقي الجمهور.
وأشار إلى أنه “لا يمكن أن نقيس مدى حضور أو تراجع الأنشطة الثقافية والفنية على مستوى المدينة أو الجهة بمعزل عن باقي جهات المملكة وعن العالم، فجل هذه الأنشطة مست في العمق، ورغم ذلك فقد لاحظنا أن العديد من المبادرات تكيفت مع هذه الوضعية”.
وسجل أن الأنشطة الثقافية والفنية، سواء أثناء أو بعد الحجر الصحي، حاولت أن تنتقل إلى الفضاء الرقمي، وجعلت هذا الرهان وسيطا فعليا كي تعيد العلاقة مع جمهورها، مبرزا أن المهرجانات الموسيقية أو الثقافية الكبرى، التي كانت تستقطب جماهير عريضة، هي التي تأثرت بشكل كبير ولافت جراء الحالة الوبائية التي يعرفها العالم.
من جهة أخرى، وبخصوص الأدوار التي تضطلع بها دار الشعر بمراكش، وبرامجها المستقبلية، أكد السيد ميفراني أن هذه الدار، ومنذ تأسيسها يوم 16 شتنبر سنة 2017، بموجب بروتوكول تعاون ما بين وزارة الثقافة والاتصال آنذاك بالمملكة المغربية، ودائرة الثقافة بحكومة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، سهرت على الحفاظ على برمجتها الشهرية والسنوية.
وأشار، في هذا الصدد، إلى أنها دأبت على تنظيم لقاءات شهرية، وكذا ندوات تستقصي العديد من المواضيع التي تهم الشأن المغربي، إلى جانب ورشات التكوين في الكتابة الشعرية، والتي اختصت بها دار الشعر بمراكش، على الخصوص، موضحا أن هذه الورشات موجهة للأطفال واليافعين، من خلال فقرة “شاعر في ضيافة الأطفال”، أو الفقرة الخاصة بالكتابة الشعرية الموجهة للشباب، إلى جانب جائزتي أحسن قصيدة، والنقد الشعري.
وكشف أنه إلى جانب هذا المسار الطويل من الأنشطة والفعاليات، التي احتضنها مقر دار الشعر بمراكش، فقد انفتحت الدار أيضا، في إطار استراتيجية عملها، على الفضاءات العمومية، “حيث نظمنا لقاءات في مآثر تاريخية، وفي الساحات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لـ(خيمة الشعر الحساني) بمدينة الداخلة، و(حدائق الشعر) في عين أسردون ببني ملال، وفي (حديقة التواغيل) بمدينة كلميم، فضلا عن لقاءات شعرية في الشواطئ والمخيمات (سيدي إفني، وأكادير..)، وتظاهرات أخرى في قلعة مكونة وزاكورة وورزازات، وبالعديد من المدن الواقعة بجنوب المملكة، الغني بثقافته المادية واللامادية”.
وأكد، في هذا الاتجاه، أن دار الشعر بمراكش، المعروفة بانفتاحها على الأصوات الشعرية الجديدة، سواء من مناطق الجنوب أو من مختلف جهات المملكة، والتي تشكل إضافة للشعر وللثقافة المغربية، هي كذلك فضاء للاحتفاء بالتنوع الثقافي المغربي، من خلال تنظيمها لمهرجان الشعر المغربي، الذي وصل إلى دورته الثالثة، والتي كانت لحظة استثنائية، بحكم أنها كانت الوحيدة التي نظمت مهرجانها الشعري السنة الماضية (29 – 31 أكتوبر 2021)، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، و”الأكيد أن هذه المحطة تشكل أيضا بارقة أمل لعودة الجمهور إلى الأنشطة الثقافية والفنية”.
كما أكد السيد ميفراني أن هذه البرمجة لم تتوقف، إذ مباشرة بعد فترة الحجر الصحي، انتقلت الدار، هي الأخرى، إلى الفضاء الرقمي، حيث نظمت لقاءات عن بعد، وتكيفت أيضا مع التدابير الاحترازية التي تم إقرارها، مما مكنها من أن تحافظ على البرمجة المعتادة، ممثلة في لقاءين كل شهر، سواء من خلال القراءات الشعرية، حيث نظمت مؤخرا فقرة “الكلام المرصع”، وهي خاصة بالزجل المغربي، واحتفت قبلها باليوم العالمي للغة العربية، من خلال فقرة جديدة وسمناها بـ”نبض الأبجدية”، أو من خلال “سحر القوافي”، كل ذلك في محاولة من دار الشعر بمراكش، في أن تعيد بعضا من الأمل للجمهور من خلال هذا الحرص الدائم على تنظيم هذه البرمجة.
وأعلن أن الدار أطلقت، بالتزامن مع موسمها الخامس، مبادرة جديدة، ممثلة في الانفتاح على نقط القراءة، سواء داخل مراكش أو في نواحيها، أو على صعيد الجهة، حيث نظمت ورشات للكتابة الشعرية موجهة للأطفال واليافعين، بمسفيوة بواحة آيت أورير، وكذا في سيدي رحال، وهي المبادرة التي تعتزم الدار توسيعها كي تشمل العديد من نقط القراءة والمكتبات العمومية.
وخلص السيد ميفراني إلى أن دار الشعر بمراكش تراهن وتحرص على هذا الانتظام في برمجتها، في إطار استراتيجيتها التي أطلقتها منذ سنة 2017، على اعتبار أنها تشكل، مثلها مثل باقي المؤسسات الثقافية والفنية بالمغرب، إضافة نوعية تساهم في إثراء الساحة الثقافية الوطنية، إذ تحاول من خلال هذه البرمجة أن “تعيد الألق للفعل الثقافي عموما، ضمن مشهدنا الثقافي المتميز بتنوعه العربي، والأمازيغي، والحساني، فضلا عن مواصلة انفتاحها على العديد من الأصوات”.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.