لم يعمر الهدوء الذي عم شوارع نيويورك في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد-19 طويلا، فقد عاد شبح العنف باستخدام الأسلحة النارية في الأيام الأخيرة، ليكشف عن ذكريات مؤلمة لماض “مظلم” زهقت فيه أرواح بطلقات قاتلة.
ففي مطلع سنة 2022، التي بدأ شهرها الثاني للتو، تصدر تفاقم موجة العنف عناوين الأخبار، خاصة في أعقاب حادث قتل “مروع” لشرطيين شابين، كانا يحاولان التدخل لاستعادة النظام في حي هارلم الشعبي.
وأعادت قضية هذين الشرطيين اللذين ق تلا، الجمعة الماضي، في تبادل لإطلاق النار، إثارة الجدل حول الأمن العام، وهي قضية بالغة الأهمية لدى ساكنة نيويورك.
فهذا الواقع الجديد، الذي أكدته أرقام وصفها المراقبون بـ”المخيفة”، شدد الخناق على إريك آدامز، العمدة الديمقراطي الذي تولى حديثا منصبه الجديد، في المدينة الأعلى كثافة سكانية في الولايات المتحدة.
وبحسب آخر معطيات نشرتها سلطات نيويورك، فقد سجل عدد حوادث إطلاق النار في المدينة زيادة بأكثر من 15 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الفارطة.
حقيقة مروعة أخرى كشفها مكتب التحقيقات الفيدرالي، تتعلق بعدد ضباط الشرطة الذين قتلوا خلال سنة 2021، والذي يعتبر الأعلى في العقدين الماضيين.
وفي ظل هذا الوضع الجديد، الذي يزيد تعقيده معدل البطالة المتسارع، والذي بلغ ضعف المعدل الوطني، والأزمة الناجمة عن فيروس كورونا، تنتظر رئيس البلدية الأمريكي ذي الأصول الإفريقية مهمة معقدة، تتطلب التعامل مع كافة الأطراف المعنية، بمن فيهم الخصوم، لتحقيق النتائج التي طال انتظارها من قبل ساكنة نيويورك.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” واسعة الانتشار، فإن ثمة حاجة ملحة لمعالجة هذا الواقع القديم الجديد، خاصة وأن الجو السائد الآن في عدة أجزاء من المدينة ينخره “القلق واليأس”.
وشددت اليومية على ضرورة اتباع مقاربة “مدروسة وناضجة” من أجل مساعدة المدينة على استعادة مظاهر الفرح والحياة فيها.
ويرى مراقبون أن وتيرة المشكلة تزايدت بشكل كبير وباتت تسبب خوفا متزايدا لدرجة أن الرئيس جو بايدن قرر التخطيط لزيارة يوم الخميس إلى نيويورك، المدينة التي قدمت مؤخرا تكريما للشرطيين اللذين قتلا في (هارلم).
كما أن الاستجابة التي خطط لها العمدة الجديد، وهو نفسه من قدامى شرطة نيويورك، تثير القلق والخوف في كثير من الأوساط.
وكتبت يومية “بوليتيكو” أنه “من الواضح أن إريك آدامز يولي اهتماما كبيرا لهذه القضية، لأنه وعد قطعه خلال ترشحه لمنصب عمدة المدينة”، مشيرة إلى أن خليفة دي بيل دي بلاسيو يقدم نفسه الآن كـ”جنرال” على استعداد لمواجهة ظاهرة العنف في شتى تجلياتها.
وبعد الاضطرابات التي أثارها مقتل الشرطيين وفتاة صغيرة قتلت برصاصة طائشة في برونكس، لم يكن أمام العمدة الجديد سوى التعجيل باتخاذ الإجراءات اللازمة، حيث أعلن عن خطة تتضمن تشكيل وحدة سرية لمكافحة الأسلحة، لتحل محل وحدة مكافحة الجريمة المثيرة للجدل التي حلها مفوض الشرطة السابق ديرموت شيا العام الماضي.
وقال آدامز لقناة، في تصريح لقناة (آي بي سي): “سنعتمد خطة ذكية للحفاظ على الأمن، من خلال نشر وحدات جديدة كنسخة معدلة لوحدة مضادة للأسلحة بملابس مدنية، ستلاحق مستخدمي الأسلحة سيئي السمعة والأشخاص الذين يتسببون في مشاكل بالمدينة”.
كما وعد استثناء ميزانية الشرطة البالغة أكثر من 5 مليارات دولار، من إجراءات خفض التكاليف التي يعتزم اتخاذها للإدارات الأخرى في المدينة.
وأمام اختبار إيجاد توازن سليم بين العدالة والأمن، يتوقع مراقبون مواجهة صعبة بين العمدة الجديد، عضو الجناح اليميني للحزب الديمقراطي والمؤيد القوي للحفاظ على النظام بشكل صارم، والجناح اليساري في تشكيلته، حول تمويل الشرطة وسبل مكافحة الجريمة.
وفي إطار خطة عمله، وعد العمدة أيضا بخلق فرص شغل لنحو 250 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة، ممن لا يتابعون الدراسة ويعانون من البطالة والفقر.
وتكتسي هذه الإجراءات، من منظور العديد من المراقبين ووسائل الإعلام، أهمية بالغة في مكافحة العنف بالأسلحة النارية، لكنها ينبغي أن تكون مصحوبة بتدابير ملموسة لتمويل مشاريع السكن وتحسين الخدمات الاجتماعية، دون إغفال الدور الهام لفرق تدبير الأزمات على مستوى الأحياء.
وبالنسبة لآخرين، تندرج هذه القضية الشائكة ضمن نقاش “أزلي” في بلد يكفل فيه الدستور حق امتلاك الأسلحة النارية.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.