بسبب التغيرات المناخية، يرتقب أن تصبح زراعة حبوب (أرابيكا) أكثر صعوبة في السنوات المقبلة، وهو ما سيؤثر على الملايير من “مدمني” القهوة حول العالم.
وبناء على نماذج مناخية عديدة على الصعيد الدولي، بحثت دراسة نشرت في المجلة العلمية (بلوز وان)، كيف ستتغير ظروف زراعة البن بحلول سنة 2050. وكشفت نتائج الدراسة أن النباتات ستكون “بشكل جذري” أقل ملاءمة للزراعة في المناطق المنتجة للبن حاليا، بسبب التغير المناخي، وهو ما أثار استياء عشاق القهوة. ويعتبر بن (أرابيكا)، المفضل على الخصوص لدى سلسلة “ستاربكس” الأمريكية الشهيرة، من الزراعات الصعبة التي تتطلب توفر ظروف خاصة. وحسب دراسة أنجزها رومان غروتر وباحثون آخرون بجامعة العلوم التطبيقية في زيورخ بسويسرا، فإن المناطق الأكثر ملاءمة لزراعة البن هي أمريكا الوسطى والجنوبية، وكذا وسط وغرب إفريقيا وفي بعض مناطق جنوب وجنوب شرق آسيا.
وخلال الـ28 سنة المقبلة، فإن تأثير التغير المناخي على هذه المناطق سيجعلها أقل ملاءمة لزراعة البن. وأشار معدو الدراسة إلى أن “الدول الرئيسية المنتجة للبن التي شملتها الدراسة، وهي البرازيل وفيتنام وإندونيسيا وكولومبيا، تأثرت جميعها بشدة بالتغير المناخي، مع تراجع حاد للمناطق الملائمة وتزايد المناطق غير الصالحة لهذه الزراعة بحلول العام 2050″، مبرزين أن ارتفاع درجات الحرارة يجعل زراعة البن أكثر صعوبة.
وبخصوص مستقبل هذه الزراعة، شدد الباحثون على أن “التكيف مع التغير المناخي سيكون أمرا ضروريا في معظم مناطق الإنتاج الرئيسية، وقد يؤدي ذلك إلى التحول إلى أشجار “الروبوستا” التي تعتبر أكثر مقاومة، لكنها تنتج حبوبا أقل جودة من حبوب “أرابيكا”.
وبدأت بعض الشركات تستعد لتغير ظروف الزراعة، بما فيها شركة (ستاربكس)، التي توزع على المزارعين حاليا أصنافا من البن أكثر تكيفا مع المناخ، وتعمل على حماية الغابات المعرضة للخطر في أبرز مناطق زراعة البن.
من جهة أخرى، لم تنتظر أسعار البن حتى سنة 2050 لكي ترتفع. فقد أدى الجفاف الشديد وظروف الصقيع غير العادية في البرازيل، أكبر مورد لحبوب البن في العالم، إلى ارتفاع الأسعار. وفي الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار بيع البن بالتقسيط بنسبة 6,3 بالمائة في سنة 2021، بينما وصل احتياطي حبوب أرابيكا إلى أدنى مستوياته منذ فبراير من سنة 2000. ونتيجة لذلك، بدأت شركات البن الكبرى، ومن بينها (ستاربكس)، عملية شراء البن مسبقا وبأسعار ثابتة.
ويتفق العديد من الخبراء على أن ارتفاع الأسعار في السوق الدولية سيصل في النهاية إلى المستهلكين، وأن قلة العرض ستؤدي إلى تفاقم الوضع.
ولمواجهة هذا التهديد، اختارت العديد من المنظمات والشركات الاستثمار في حلول من شأنها حماية هذا المنتوج، وخاصة عبر مساعدة المزارعين على تحسين إنتاجهم، وتطوير سلالات جديدة من الحبوب، وزراعة الأنواع البرية أو حتى البن في المختبرات. وما فتئت هذه المنظمات والشركات تؤكد أن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة سيكون أفضل طريقة لتأمين مستقبل البن كما نعرفه، ومستقبل الكوكب ككل.
وبالنسبة لحوالي 100 مليون من منتجي البن، وعشرات الملايين من الأشخاص الذين يعملون في مجال نقل وتعبئة وتوزيع وبيع وتحضير القهوة، فإن آثار التغير المناخي ستزيد من تفاقم وضعهم الهش أصلا.
ولمساعدة المزارعين على التكيف مع الظروف المناخية الجديدة، أطلقت منظمة بحوث البن العالمية، من جهتها، شبكة عالمية تهدف إلى إدخال تقنيات حديثة وأنواع جديدة، تسمى “هجينة”، ذات إنتاجية عالية ويمكن أن تنمو في نطاق واسع من البيئات في الدول المنتجة للبن. ولا تخلو هذه المهمة من تحديات، لأن جني المال من زراعة شجرة البن يستغرق عدة سنوات، ولأن أشجار البن يمكن أن تعيش لعشرات السنين، فإن الشجرة المتكيفة مع المناخ الحالي قد تكون غير متلائمة تماما مع الظروف المستقبلية، وفق المديرة العامة لمنظمة بحوث البن العالمية، جينيفر فيرن لونغ. وحسب معهد اليونسكو للتعليم في مجال المياه، فإن لإنتاج البن تأثيرا كبيرا على البيئة، حيث يتطلب إنتاج كوب واحد من القهوة حوالي 40 لترا من الماء. وهذا ما يعني، على المديين القصير والطويل، ضرورة معالجة السبب الأساسي للمشكلة، وهو انبعاثات الغازات الدفيئة.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.