يعتبر ترسيخ الجهوية المتقدمة ورشا استراتيجيا ما فتئ صاحب جلالة الملك محمد السادس يؤكد على ضرورة الانخراط بفعالية في تنزيل مضامينه، بغية تحقيق التنمية المندمجة بكافة جهات المملكة.
في صلب هذا الورش الملكي، يقع برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية (2017- 2023)، باعتباره مدخلا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة على تعزيز أدوار الجهات، وتمكينها من بناء نموذجها التنموي الخاص استنادا إلى مؤهلاتها.
يروم هذا البرنامج، الذي تمت بلورته تنفيذا للتعليمات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش لسنة 2015، وضع خطة عمل متكاملة، تقوم على الشراكة بين مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية، بهدف تمويل مشاريع البنيات التحتية في الجماعات الترابية والجهات النائية.
وقد سطرت لهذا الورش الملكي للنهوض بالعالم القروي ثلاثة أهداف استراتيجية تتمثل في فك العزلة عن السكان بالمناطق الجبلية والقروية، وتعميم وتحسين ولوج الساكنة للخدمات الاساسية المتعلقة بالكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتعليم، وكذا توفير الشروط اللازمة لتعزيز وتنويع القدرات الاقتصادية للمناطق القروية والجبلية، لتحسين الظروف المعيشية للساكنة.
وخصص لهذا البرنامج، الذي يتماشى مع مبدأ ممارسة الجهوية المتقدمة، غلاف مالي يبلغ 50 مليار درهما يتم توزيعها بين القطاعات المستهدفة؛ وتشمل الطرق والمسالك والمنشآت الفنية (35,4 مليار درهم) والماء (6 ملايير درهم) والتعليم (5 ملايير درهم) والكهرباء (2 مليار درهم) والصحة (1,4 مليار درهم).
وتتوزع مصادر تمويل هذا الورش الوطني، الذي يتم تنسيق إنجازه من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بشراكة مع القطاعات المعنية والجهات، بين صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية (47 في المائة) والمجالس الجهوية (40 في المائة) وصندوق المبادرة الوطنية للتنمية الوطنية (8 في المائة) والمكتب الوطني للماء والكهرباء (5 في المائة).
في هذا الصدد، يقول عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن ورش الجهوية المتقدمة يتوخى، بناء على تصورات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تشكيل أرضية لنقل عدد من الصلاحيات من الإدارة المركزية إلى الهيئات المنتخبة على الصعيد الجهوي، وكذا تمكين هذه المجالس من إمكانية المساهمة بشكل فعال في تنزيل السياسات العمومية، لا سيما ما يرتبط منها بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بين مختلف جهات المملكة.
وتحقيقا لهذه الغاية، يضيف الأستاذ الجامعي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، منحت لمجالس الجهات اختصاصات ذاتية تتعلق بإعداد برامج التنمية الجهوية، وذلك بناء على مقاربة تشاركية، وعلى تشخيص يساهم فيه المواطنون والفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون على مستوى الجهة، بما يمكن من تقديم حلول لمختلف المشاكل ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستوى الجهوي.
وبخصوص نقص الموارد المالية على مستوى الجهات، سجل أدمينو أن الحكومة انخرطت في توقيع عدد من عقود برامج بين القطاعات الحكومية وبين الجهات، بما يمكنها من تعبئة الموارد المالية الكافية من أجل إنجاز شتى المشاريع المرتبطة بتقليص الفوارق الاجتماعية، سواء تلك المتعلقة بالولوج إلى الصحة أو التعليم أو البنيات الأساسية من طرق ومستشفيات ومدارس وغيرها.
وخلص إلى أن الهدف من هذه المقاربة التشاركية يتجلى في فك العزلة عن الوسط القروي وكذا تمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم على المستوى المجالي، خاصة وأن الدستور يضع الإنصاف في تغطية المجال الترابي في صلب المبادئ الأساسية لتدبير المرافق العمومية.
برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية كان مؤخرا موضوع عرض قدمه وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، خلال اجتماع بالرباط خصص لبحث سبل تسريع تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وذلك بحضور ممثلي القطاعات الوزارية التي وقعت على الإطار التوجيهي لتفعيل ممارسة اختصاصات الجهة، إلى جانب رؤساء الجهات والولاة.
وقد أفرزت الحصيلة المرحلية لهذا البرنامج خلال الفترة (2017-2021) استهداف مخططات العمل السنوية 1066 جماعة ترابية بالعالم القروي، أي ما يعادل 83 في المائة من إجمالي الجماعات الترابية بالمملكة، حيث استفاد 142 مركزا قرويا وبعض الجماعات الحضرية التي تعرف تدفقات وتفاعلات منتظمة للساكنة القروية (59 جماعة حضرية)، من مشاريع تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
ويتمثل وقع المشاريع المنجزة، التي استفاد منها حوالي 14 مليون نسمة، إلى جانب إحداث أزيد من 103 ملايين يوم عمل و234 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، في تقليص مدة الولوج إلى الخدمات الصحية والمؤسسات التعليمية، فضلا عن فك العزلة عن المدارات الفلاحية والمواقع السياحية.
لقد حقق البرنامج الوطني الاستراتيجي لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية معظم أهدافه على مستوى الاستهداف الترابي، وساهمت المشاريع المنجزة بشكل ملحوظ في تحسين مستوى عيش ساكنة الجماعات المستفيدة.
إلا أن كسب رهان الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية يقتضي مواصلة تضافر جهود كافة المتدخلين وتعزيز التقائية البرامج والسياسات العمومية بغية تحسين مؤشرات التنمية البشرية، وترسيخ مبدإ الحد من التباينات المجالية في عمليات التخطيط الجهوية للمساهمة في إنجاح الورش الملكي للجهوية المتقدمة.
و م ع