في ظل الأزمة الطاقية التي ما فتأت ترخي بظلالها على البلدان الأوروبية، كنتيجة مباشرة للحرب الروسية- الأوكرانية المتواصلة منذ أواخر فبراير الماضي، بدأ المواطنون البلجيكيون يستشعرون ثقل العبء المادي الذي سيتحتم عليهم تحمله خلال الأشهر المقبلة.
فمع بلوغ أسعار مصادر الطاقة الأحفورية، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، مستويات غير مسبوقة في بورصات الطاقة العالمية، لم يعد أمام موردي الكهرباء وغاز التدفئة سوى الشروع على نحو تدريجي في رفع تعريفاتهم، سواء تلك الموجهة للخواص، الأسر أو الشركات. الأمر الذي يجعل البلجيكيين يخشون من عدم قدرتهم على تسديد فواتيرهم، لاسيما أولئك الذين يعتبرون من ذوي الدخل المحدود.
وبحسب آخر التقديرات، فإن أسعار الطاقة في بلجيكا ستصل إلى مستويات قياسية، حيث بلغ سعر الكهرباء 540,8 يورو لكل ميغاواط ساعة في سوق الجملة.
وفي هذا الإطار، كان بارومتر “لوسوار- إر تي إل- إيبسوس” قد أظهر في استطلاع له أن نحو 64 بالمائة من البلجيكيين يخشون من عدم قدرتهم على تسديد فواتير الطاقة الخاصة بهم.
وفي مواجهة هذا الارتفاع في الأسعار والخشية من عدم القدرة على تحمل الأعباء المالية التي سترتفع، لا محالة، خلال الشتاء المقبل، يؤكد غالبية البلجيكيين – حسب نفس الاستطلاع- أنهم غيروا سلوكيات الاستهلاك الخاصة بهم، حيث قال زهاء ثمانية من كل عشرة أشخاص مستجوبين إنهم أضحوا يستعملون “قدرا أقل من الكهرباء، الغاز، الماء أو وقود التدفئة”.
وبما أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤثر بشكل مباشر على ميزانية الأسر، فقد أشار الاستطلاع إلى أن أزيد من 40 في المائة من المستجوبين سيضطرون إلى “صرف مدخراتهم” أو الاقتراض لتغطية نفقات الطاقة غير المتوقعة.
واستشعارا منها لعبء تكلفة الطاقة التي سيتكبدها البلجيكيون من ذوي الدخل المحدود على وجه الخصوص، كانت الحكومة الفيدرالية قد أقرت خلال اجتماع مصغر، عقد يوم الجمعة الماضي، حزمة من المساعدات لفائدة الساكنة بقيمة 392 يورو تصرف على مدى شهرين، سعيا منها إلى مساعدة الأسر على الصمود خلال الشتاء الذي ينذر بأن يكون قاسيا على جميع المقاييس.
وفي تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء، يقول تييري، وهو موظف محال على التقاعد يقطن ببروكسيل، إن أعباء المعيشة أضحت لا تحتمل خلال الآونة الأخيرة، لاسيما فواتير الغاز والكهرباء والمياه التي ارتفعت على نحو غير مسبوق، مشيرا إلى أنها قفزت، بالنسبة له، خمس مرات أكثر مما كانت عليه في السابق.
وأضاف تييري أنه أضحى يجد نفسه مكرها على الاستغناء عن العديد من الأمور التي يصنف بعضها في خانة الضروريات، حتى يتمكن من تسديد فواتير الطاقة التي يستهلكها في منزله الصغير.
وفي تصريح مماثل، تقول تيريز، المرأة الستينية التي تعيش بنسبة كبيرة اعتمادا على الإعانات الممنوحة من طرف الدولة، إنها أضحت تتخلى عن اقتناء العديد من اللوازم الضرورية حتى تتمكن من ادخار المال الكافي لتسديد فواتير الطاقة.
وأوضحت أنها أصبحت ملزمة بإيجاد حلول بديلة تمكنها من اقتصاد استهلاك الكهرباء وغاز التدفئة، لاسيما في هذه الفترة التي تشهد انخفاضا ملحوظا لدرجات الحرارة.
أما بالنسبة للخواص، ومن أجل تقليص فاتورة استهلاك الطاقة، قررت العديد من المحلات التجارية تخفيض الإنارة والتدفئة إلى أكبر حد ممكن، لاسيما من خلال الالتزام بتثبيت المكيفات على درجة حرارة معينة والإبقاء على أبواب المحلات مغلقة قدر الإمكان.
وفي الجهة الوالونية مثلا قررت السلطات تخفيض الإنارة في جزء كبير من شوارعها وطرقها السريعة اعتبارا من 19 شتنبر، وذلك في ظل احترام معايير السلامة المعمول بها، علما أن بلجيكا تمتلك إلى جانب ذلك نحو 22 مليون مصباح، معظمها يضاء ليلا.
وعلى الرغم من تطمينات المسؤولين الفيدراليين والجهويين بشأن تأمين مصادر الطاقة الكافية في ما هو قادم من الأيام، إلا أن البلجيكيين يظلون متوجسين إزاء ما سيأتي به المستقبل المبهم، لاسيما في سياق التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.