إنطلق مساء أمس الجمعة فعاليات مهرجان طنجة الدولي للشعر، والذي يمتد من 2 نونبر إلى 20 منه، تحت شعار “بحور الشعر في مجمع البحرين”. حيث تحتفل أسرة المهرجان وجمهوره بإطفاء الشمعة العاشرة من ميلاد هذا الحدث الثقافي المتميز الذي استطاع الصمود والاستمرارية حتى في أحلك ظروف الجائحة والحجر الصحي.
استُهِلت فعاليات البرنامج بكلمة افتتاحية عرضت فيها إدارة المهرجان مسار هذا المحفل الشعري على امتداد عقد من الزمن، ونوهت بالجهات الداعمة والمساندة، كما دعت كل القييمين على الحقل الثقافي ببلادنا للمزيد من الدعم والاعتناء بهذا المهرجان الاستثنائي المتفرد في نوعه على الصعيد الوطني.
وعلى مستوى جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب فقد عرفت المسابقة إقبالا كبيرا، ففي فئة الشعر الفصيح على سبيل المثال لا الحصر بلغ عدد المشاركات إلى 145 تقريبا تنوعت كالتالي : مشاركتين على مستوى التفعيلة، 20 مشاركة على مستوى القصيدة العمودية، وكانت حصة الأسد للقصيدة النثرية. وحسب إدارة المهرجان حصل على الجائزة الأولى في الشعر الفصيح عثمان الهيشو من القصر الصغير، وفي الزجل تفوقت شيماء قريون من مدينة سطات، وعادت جائزة الشعر الأمازيغي لليلى يزان من تزنيت.
أما في الشعر الحساني كانت الجائزة من نصيب حمو سيد مو من مدينة طنطان. بهذا الإعلان أعطيت الإنطلاقة لفعاليات المهرجان الذي أفتتح بأمسية شعرية متميزة استهلت بوصلة موسيقية أحيتها فرقة DOS MERES قدمت خلالها “أغنية أعطني الناي وغني” من كلمات جبران خليل جبران في قالب فلامنكو، مزيج متميز لا يقل عنه تميزا مجوعة الشعراء الذين تناوبوا على إلقاء قصائدهم تنوعت بين الشعر العربي والأمازيغي.
وعلى هامش الندوة صرح مدير المهرجان السيد بلال الصغير أن المهرجان أطلق إصدارا يتضمن كرونولجيا الدورة العاشرة توثق مشروع المهرجان من سنة انطلاقه في 2013 إلى اليوم، كما سيصدر بعد نهاية الدورة العاشرة كتابا يتضمن كافة الدراسات التي واكبت مخرجات المهرجان منذ بدايته، كما سيصدر عن المهرجان دوانيين الأول يحتوي كافة القصائد المتوجة في مسابقات المهرجان، والثاني ديوان جماعي يضم بين دفتيه كافة القصائد التي ألقاها ضيوف المهرجان في مختلف دوراته. وحول سؤالنا عن القيمة المضافة التي شكلها المهرجان للشعراء المغاربة الشباب قال السيد بلال الصغير أن المهرجان أعطى دفعة قوية للحركة الشعرية الشبابية، إذ سلط الضوء على مجموعة من المواهب التي كانت مجهولة ومنسية، ومنحها الفرصة لتصل إبداعاتها لمتذوقي الشعر.
فالشاعر حسب رأيه يولد شاعرا إنما يحتاج إلى منبر يخاطب من خلاله جمهور الشعر، وهذا ما استطاع المهرجان تحقيقه، الدليل على ذلك الأسماء الشابة التي مرت من المهرجان واستطاعت أن تفرض نفسها في العالم العربي، حيث شكل مهرجان طنجة بالنسبة لهم تأشيرة عبور لمسابقات عربية كبرى تألقوا وبرزوا فيها ويذكر على سبيل المثال لا الحصر محمد الساق، محمد عريج ومريم الكرودي وغيرهم.
وفي تعليق للدكتور محمد نافع العشيري استاذا التعليم العالي مساعد بالمدرسة العليا للاساتذة بمرتيل التابعة لجامعة عبد المالك السعدي. صرح لموقع Maroc24 أن مهرجان طنجة الدولي للشعر حقق شهرة كبيرة وترك بصمة لها طابعها في المشهد الثقافي المغربي والعربي.
فصيت المهرجان حسب رأيه تجاوز طنجة ليصبح تقليدا ثقافيا سنويا له امتداداته الوطنية والعربية والدولية. والدليل في نظره هي الأسماء الشعرية التي تشارك كل سنة في هذا المهرجان التي لها وزنها العربي والعالمي. فما يميز المهرحان حسب قوله أنه ليس ظرفيا وإنما اصبح تقليدا يمتد لأكثر من عشر سنوات. وهذا بفضل الإرادة القوية والرغبة الحقيقية لإدارة المهرجان.
وحول المواكبة النقدية للمهرجان بين الأستاذ محمد نافع العشيري ان نقد عموما يعاني تراجعا ملحوظا في مواكبة الحركة الشعرية العربية عموما، فهناك تباين كبير بين المنتوج الشعري العربي والحركة النقدية، وهذا حسب وجهة نظره راجع لأسباب عدة أولها تراجع الشعر مقابل أجناس أدبية أخرى وعلى رأسها الرواية.
كما أن النقاد أصبحوا اسرى المنهاج فانشغلوا بالنظرية والمنهاج على حساب النص الشعري والجانب الجمالي فيه. وهذا ما ينفر القارئ. فالنقاش المفتوح حاليا هو كيف نعيد استثمار المنهاج لتقريب القارئ من تذوق النصوص الأدبية عموما بعد ان تاهت الحركة النقدية في الجوانب النظرية التجريدية التي تجرد النص من جماليته. فالأدب في رأي محمد نافع العشيري هو الجمال، والنص الإبداعي هو الذي يحرك مكامن الجمال لدى المتلقي.
ميز الأمسية الافتتاحية مشاركة الشاعرة والإعلامية المتألقة مريم الكرودي، حيث ألقت مجموعة من قصائد ديوانها “تراتيل التاء” واسعدت الحاضرين بإلقائها المرموق، وشعرها العذب وكلماتها الرقيقة التي تنضح أنوثة وتعبر عن خوالج المرأة وأحاسيها.
حول الشعر النسائي وما يعانيه سألنا الشاعرة مريم الكرودي لتؤكد أن الشعر النسائي ليس استثناء، وأن الأزمة يعاني منها الإبداع عموما، فالكتابة الشعرية غزيرة إنما تواجه مشاكل عدة على مستوى الطبع والنشر والتوزيع والوصول إلى القارئ ومتذوق الشعر. غير أنها ترى أن ما يميز الشعر النسائي كونه بوح أنثوي يتنصر للأنثى.
فالمرأة عندما تتكتب فهي تنتصر لذاتها، أفكارها، مشاعرها ولمخيلتها. تكتب لتخرج من ظلم المجتمع. فرسالة مريم الكرودي للمرأة هي دعوة للكتابة. تقول أن على المرأة أن تكتب وتصدق ما تكتب بعيدا عن كل القوالب والإطارات. كما ترى الشاعرة التطوانية ان المرأة المغربية عندما تكتب تبدع وتتألق، وطموح مريم الكرودي أن تصل إلى بعض ما وصلت إليه وفاء العمراني ومليكة العاصي وغيرهما من الشاعرات المغربيات اللواتي أعلين الراية المغربية في المحافل الوطنية والدولية.
وكما بدأت الأمسية على إيقاع النغم والموسقى، أختتمت فعاليات اليوم الافتتاحي بوصلة موسيقية أبدعت فيها فرقة DOS MERES في إنشاد أغنية عبد الحليم حافظ ” وأنا كل ما أقول الثوبة يا بوي”. فهل يثوب عشاق الحرف وأسرى القصيدة من حب وتذوق الشعر؟
عبد العظيم الحفيظي