في مقر بيت الشعر في الشارقة كان جمهور الشعر والنقد –الحاضر بكثافة- على موعد مع ست محاضرات نقدية بعنوان: “الشعر بين التعبير والتأثير” عبر جلستين منفصلتين.
انطلقت الجلسة الأولى ترأستها الباحثة التونسية لامعة العقربي، بمحاضرة الدكتور المصري محمد مصطفى أبو الشوارب حول موضوع “تجليات الجائحة في الشعر القديم (الطواعين والزلازل)، إذ قامت المحاضرة على فكرة رئيسة تتمحور حول قدرة النص الشعري على التعبير عن المبدع من جهة الاشتغال، والتأثير في المتلقي من جهة التداول، من خلال ممكنات ٠ الفني ومستوياتها اللغوية والتصويرية والإيقاعية والبناء قصد إنتاج رؤى إبداعية تمثل الرسالة موجهة للمتلقي الذي ينفعل ويتأثر بها، عن طريق موضوع الطاعون، وقامت الدراسة على أربعة محاور: المحور الفكري في تناول الظاهرة ، والمحور الوصفي الذي تناول تجليات الظاهرة في القصيدة العربية القديمة فيما اصطلح عليه الباحث بـ “شعر الطواعين” و”أدب الجائحة”، الذي جسد إحساس الشعراء بالعجز أو الرهبة، ومحور يقوم على التتبع التاريخي لموضوع الطواعين إلى حدود القرن الثامن، كما تطرق المحور الأخير إلى دراسة استعمال الشعراء للطاعون لا بوصفه موضوعا خاصا وإنما بوصفه حاملا للقول والتعبير عن معاني المغالبة والصراع بل والغزل أيضا.
وجاء بحث الدكتور الأردني سالم عايد الدهام بعنوان ” تجليات جائحة كورونا في الشعر العربي المعاصر بين المعنى والمبنى” عبر نماذج مختارة من مدونة الشعر الأردني، ليحلل فنيا ويسبر أغوار معاني ومراحل تطورظاهرة الطواعين المعجمي، متطرقا إلى أهمية الموازنة بين مضامين التعبير والتقنيات الكتابية، ومستقرئا السياقات الأدبية المحيطة باللغة والأساليب النصية انطلاقا من عتبات العناوين الخاصة بالنماذج الستة المختلفة التي اعتمدها متنا تحليليا في دراسته، حيث أكد الباحث والمسؤول الثفافي الأردني د. سالم عايد الدهام من خلالها على تأثيرات الجائحة وصولا إلى الحقول الدلالية في متونها، إذ خلص من كل ذلك إلى “أن الشعر كالغيم يتصاعد من ماء الأرض ويتكثف في الأعالي، ويسبح في الفضاء الشاسع، ثم لا يلبث أن يعود ليخالط ترب الأرض من جديد ويمدها بأسباب الحياة.”
أما بحث الدكتور المغربي محمد الديباجي فتناول موضوع “مواكبة الشعر والشعراء للإنسانية أثناء فترات الكوارث والأوبئة”. متخذا من الكوليرا نموذجا للدراسة، ومستعرضا عددا من النصوص الشعرية التي عبر من خلالها الشعراء عن مشاعر الإنسان في حروبه ضد المرض والموت، وقد رصد البحث مختلف تمثلات الوباء في الشعر العربي، ويرى الدكتور الديباجي أن هذه القصائد تعبر عن مواكبة الشعر والشعراء للإنسانية أثناء الفترات الحرجة التي تعرفها، وأنها “تعبير عن آلام الشعوب وآمالها مما يشكل الرسالة السامية للشعر”.
وبعد الرد على اسئلة المناقشة المفتوحة للموضوع أنطلقت الجلسة الثانية التي ترأسها أ. د. محمد الضبع، مع حدود الثانية عشرة ظهرا، حيث مهد بمداخلة دارت حول محور تأثير الجائحة على الشعر والفعاليات الشعرية، لتتناول المحاضرة الأولى من الجلسة الثانية للدكتورة السعودية الريم مفوز الفواز “دلالة الفرح في شعر عزلة كورونا، كدراسة في ضوء رؤية الموضوع والتشكيل الجمالي للشعر الرقمي”. واستعرضت في بحثها مجموعة من الشواهد الشعرية التي تناولت موضوع العيد تحت وسم افتراضي، وكانت معارضة لأبيات المتنبي، لتوضح عبر مختلف الأمثلة ذلك الإطار التفاعلي الرقمي الذي انتهجه الشعراء أثناء العزلة ليخففوا من حدتها وليصنعوا فضاء افتراضيا للقصيدة، كما بينت من خلالها صورة التناقض في نفوسهم، مؤكدة على عمق الموقف الجدلي الذي خلقته تلك التجربة في نفوس الشعراء.
وقدم الدكتور سعد التميمي في موضوعه قراءة بحثية مستوفية عن دور الشعر في مواجهة الجائحة تحت عنوان “من عزلة كورونا إلى فضاء التأمل”، موضحا خلالها أهمية العزلة الوبائية في تشكيل المشهد الشعري الحديث، ويستعرض عبر مجموعة من النماذج أثر ذلك أولا على مستوى الفرد الشاعر الذي دفعته العزلة الجبرية إلى إعادة ترتيب رؤاه الإبداعية، وثانيا على مستوى المشهد الأدبي الذي شهد ازدهارا بعودة سلطة اللغة والشعر خلال يوميات الجائحة، كونها عززت التفاعل بين الشعراء والمتلقين، كما يوضح أثرها على المؤسسات الثقافية التي نقلت نشاطاتها إلى العالم الافتراضي مما سهل التواصل والتبادل الثقافي بين مختلف الأقطار العربية، لتكون بذلك القصيدة قد شكلت سدا منيعا في مواجهة عزلة الوباء، وكانت توثيقا لحظيا لتطوراته، وتنبيها موجها للإنسانية . ويؤكد الدكتور التميمي على كون “الشعر من الوسائل المهمة في إيقاظ ضمير الإنسانية من خلال ما يطلقه من تنبيهات وتوعية للناس في مفاصل محددة تمر بها الأمم وفي ظل جائحة كورنا وفداحة ما تخلفه من خسائر”.
وتناولت الدكتورة صباح الدبي في بحثها المعنون “أصول العلاقة ودلاليات الأثر” بين الشعر والجائحة، مفاهيم الشعر وأثره ومهمته الحيوية والتفاعلية في الفضاء التاريخي، بدءا من العلاقة بين الشعر والأوبئة ومقاومة الموت وما نتج عنها من نصوص في مدونة الشعر العربي، مرورا بنماذج مختلفة تبرز التوظيفات المتنوعة للصدمة وتبعاتها، وصولا إلى الفضاء الرقمي وتأثيره على الشعر، وتذهب الدكتورة صباح إلى أن العزلة صنعت أفقا جديدا للشعراء، وأن “ما يصنع جوهر المكان والزمان هو هذا الإحساس الذي يفجره الشعر، لذلك كان أثر الجائحة كبيرا على الذات الشاعرة، إذ يخضع التقويم الزمني والحدود الجغرافية للمكان لهذا الأثر العظيم.”
وتجدر الإشارة إلى توزيع مدير بيت الشعر بالشارقة ذ. محمد البريكي لكتاب الندوة الذي ضم المداخلات الست مشفوعة بتقديم خاص له، من منشورات دائرة الثقافة بالشارقة.
إعداد: د. أحمد الحريشي