يعد شهر رمضان الأبرك شهرا عامرا بالتأمل والروحانيات . فهو الى جانب كونه موعدا لقضاء فريضة الصيام ابتغاء مرضاة الله تعالى وتقواه، فإنه يكشف من جانب آخر وعلى مدى ثلاثين يوما أو أقل بيوم واحد عن تقاليد الدول الإسلامية في الاحتفال بمقدم هذا الشهر الفضيل ، أو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة والذي أنزل فيه القرآن الكريم.
في قطر ،التي تتهيأ ساكنتها بما يليق بمقدم هذا الضيف العزيز ،تستقبل الجهات الحكومية رمضان باعتماد إجراء إداري يهم تحديد ساعات العمل في خمس ساعات فقط بالنسبة للمؤسسات العمومية وست للعاملين بالشركات ، وهو ما يوفر وقتا إضافيا للمواطنين والمقيمين يمكن استغلاله في أداء فريضة الصيام بأريحية وفي الوقت ذاته ممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية والتثقيفية الى جانب الانشطة الاخرى المرتبطة بالتسوق واقتناء ما تشتهي الأعين والبطون.
يوم قطر الرمضاني سريع الانصراف ، حيث لا يشعر الصائم بطول الوقت خصوصا في ظل الأجواء المعتدلة التي تعرفها البلاد حاليا والتي تساعد الناس على الانتشار في فضاءات التسوق وأماكن ممارسة الرياضة.
يفطر الصائمون ،بما تيسر من التمر وبما تشتهي الانفس من الحليب ومشتقاته او العصائر ، تم يقصدون المسجد لقضاء فريضة صلاة المغرب قبل العودة لإكمال الفطور على ما لذ وطاب . وفي ساحات المساجد تنتشر موائد الرحمان . والامام لا يستعجل قيام صلاة المغرب كما هي العادة في بلدان أخرى إذ ينتظر حوالي عشر دقائق او أكثر تكون كافية لمن هم خارج بيت الله متحلقون حول مائدة الرحمان للالتحاق بصفوف المصلين وهم من جنسيات عديدة ، تفرقهم الالسن ويجمعهم حب الله وتقواه .
وعلى الرغم من الانفتاح الكبير الذي تشهده الامارة الخليجية والذي حمل معه وجبات “دخيلة” ، فإن المائدة الرمضانية للقطريين زاخرة بأطباق من المطبخ القطري الأصيل وأشهرها الهريس وهو طعام يصنع من اللحم المهروس مع القمح وزيت الزيتون والقرفة، ووجبة الثريد، وهي عبارة عن خبز مسطح مقرمش مع الشوربة المصنوعة من لحم الضأن أو الدجاج أو الخضروات فقط، واللقيمات وهي كرات صغيرة من العجين مقلية مغطاة بشراب السكر. وتبقى موائد الرحمان عادة يحافظ عليها القطريون خلال هذا الشهر الفضيل . فعلى مقربة من إشارات المرور في الدوحة تنفذ مؤسسة قطر الخيرية مشروع «الإفطار الجوال» لصالح السائقين والأشخاص الذين يدركهم أذان المغرب على الطرقات طيلة الشهر الكريم حيث تستهدف العملية ، بحسب بلاغ للمؤسسة ، 2000 صائم يوميا ليصل إلى 60 ألف وجبة طوال الشهر الفضيل. هذا الى جانب العمليات التي تطلقها مجموعة من المؤسسات والاسواق العمومية القطرية التي تعمل على توزيع الوجبات على المسجلين في مقار سكنهم . وإلى جانب الطابع المؤسساتي للعملية، يتطوع أشخاص يبحثون عن أجر إفطار الصائم لتوزيع وجبات في المساجد وفي الشوارع وفي عديد الأماكن حيث ينتشر الباحثون عن هذه المكرمة.
وعقب الاستمتاع بشعيرة التراويح بعدما بحث المتعبدون عن أصوات تريح القلب ، يقصد القطريون بالخصوص تجمعاتهم الاسرية أو مجالسهم التي تعد عادة متوارثة أبا عن جد لم ينل منها الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه الامارة الخليجية .
فإلى جانب حرص القطريين على الحضور لبيت العائلة الكبيرة ،حيث يتجمع الابناء والاحفاد مع الجد والجدة، وعلى تبادل الأطباق مع الجيران ، تعد المجالس القطرية عادة اصيلة لتعزيز روح التلاحم والتكاتف والتواصل الاجتماعي ونقل التقاليد الى الابناء.
ولأهمية المجالس في حياة القطريين والخليجيين بصفة عامة بادرت مؤسسات قطرية لتنظيم دورات تعليمية للنشء عن آداب المجلس بهدف غرس العادات والتقاليد الأصيلة في نفوسهم .
كما أن ليل قطر يغري جزءا غير يسير من الساكنة بالانتشار في الأبراج الكبرى أو بالتوجه نحو فضاءات الترفيه أو الى سوق واقف بحثا عن الاستمتاع بمتعة احتساء المشروب المفضل وتقاسم أطراف الحديث في المقاهي المنتشرة في هذا الفضاء النابض بالحياة والتي تغلق أبوابها نهارا ما يجعل السوق يعيش على ايقاع صمت مطبق لا تكسره الى أصوات سياح أجانب يجدون ضالتهم في التقاط صور للذكرى أو البحث في البزارات عما يخلدون به الزيارة . ومع الانفتاح الذي تعرفه قطر تنظم مجموعة من الفنادق والمطاعم خلال الشهر الفضيل عروضا عديدة لتناول الافطار وبأثمنة تنافسية تشجع الساكنة على اكتشاف أجواء مغايرة لروتين البيت. وتكتسي ليلة النصف من رمضان أهمية بالغة وتسمى عند القطريين ب”القرنقعوه” وهو أحد الاحتفالات التي تشترك فيها قطر مع منطقة الخليج، وتحتل مكانة كبيرة لدى الأطفال الذين يرتدون فيها زيا تراثيا وبنشدون أغاني شعبية ويتنقلون من بيت إلى بيت لجمع الحلوى التي يقدمها لهم الجيران.
وإذا كانت ممارسة الرياضة عادة ذكورية في السابق فإن رمضان الأبرك بقطر أصبح يعرف منذ مدة غير يسيرة تنظيم فعاليات رياضية لفائدة النساء والفتيات بالخصوص .
وفي هذا السياق أعلنت لجنة رياضة المرأة القطرية عن تنظيم مسابقتين في “البادل” بالتعاون مع شركة بادل قطر، خلال الفترة من 26 وحتى 29 مارس الجاري،الى جانب تنظيم فعاليات رمضانية بالتعاون مع الاتحاد القطري للرياضة للجميع من خلال بطولتين؛ الأولى في كرة القدم داخل القاعات والثانية خاصة بكرة الطائرة .
وبحلول الشهر الفضيل من كل سنة بقطر تشهد حركة مبيعات الذهب ارتفاعا ملحوظا حيث تقبل الغالبية على شراء المعدن الأصفر ابتهاجا بالشهر الكريم، على اعتباره من الهدايا النفيسة .
وأفاد تقربر أوردته وكالة الانباء القطرية (قنا) بأن شهر رمضان يعتبر من الشهور الموسمية التي ينتظرها تجار الذهب في قطر، حيث تزداد المبيعات بنسب متفاوتة مقارنة بالمواسم الأخرى على اعتبار أن المعدن الأصفر يعد عملة الملاذ الآمن وقت الأزمات، وأفضل وعاء للاستثمار والادخار، الى جانب انه مرتبط بالموروث الشعبي، خاصة التصميمات القطرية المتوارثة عبر الأجيال.
وأكدت الوكالة استنادا إلى محمد الصلاحي المدير التنفيذي لمجموعة /الصلاحي القابضة/ أن تجار الذهب في قطر ينتظرون موسم رمضان لعرض ما لديهم من تصميمات جديدة مشيرة الى أن حركة مبيعات سوق الذهب تشهد حاليا انتعاشا كبيرا، حيث تتراوح نسب ارتفاع المبيعات منذ اليوم الأول من رمضان من 40 إلى 50 بالمائة.
وبعرف الشهر الابرك في قطر تنظيم فعاليات ثقافية عديدة منها الدورة الثانية عشرة لمسابقة تحفيظ القرآن الكريم لشهر رمضان المبارك للعام 2023، بمشاركة (60) طفلا وطفلة تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما، والتي تأتي ضمن فعاليات هذا الشهر بالمؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» التي برمجت أيضا أمسيات ثقافية وترفيهية بهدف تغذية الفكر بعد ما تمت تغذية الروح بالصيام والجسد بالرياضة وبما لذ وطاب.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.