ألقى محمد الأشعري، الروائي والشاعر ووزير الثقافة الأسبق، أمس الخميس، بقصر الثقافة والفنون بطنجة، الدرس الافتتاحي لصالون “النبوغ المغربي” الذي تنظمته المديرية الجهوية للثقافة بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، حول موضوع “الأدب والتغيير”.
ويأتي الدرس الافتتاحي، الذي جرى بحضور صفوة من المثقفين والنقاد والمهتمين بالثقافة والأدب، في سياق إبراز “منظور راسخ في جدوى النقاش العمومي حول الثقافة والمعرفة والآداب كرافعات جديدة للقوة الناعمة في تنمية إنسانية ومجالية”.
وجاء اختيار الأشعري لافتتاح الموسم الثقافي الجديد، بحسب الجهة المنظمة، بالنظر “لتمرسه الكبير في ربط مفهوم الإصلاحات الكبرى بالمغرب المقرون والمرهون بجوهر التربية والتعليم والثقافة كحوامل حاسمة في التحديث والتغيير المجتمعي”.
وانطلق الأشعري في مستهل الدرس الافتتاحي من مناقشة انتظارات الناس من ظاهرة الأدب، عبر طرح سؤال “تقليدي ومعروف” حول جدوى الأدب من شعر ورواية وقصة ومسرح في عالم له وسائط جديدة في التواصل والتأثير، وله نمط حياة لا يتسع لقراءة روايات طويلة أو كتب تعتمد على الكلمات والجملة واللغة، وهم يتلقون حاجتهم من الأخبار والمعلومات عبر مرور بسيط على شاشات هواتفهم.
وتوقف الأشعري عند ما يعرفه عالم اليوم “من سرعة وسطحية، حيث لم يعد للناس الوقت ولا الرغبة في أن تتعمق في تلقي الأشياء، وطرح الأسئلة الكبرى حول ما تتلقاه”.
ورأى المتحدث ذاته أن “هناك من الناس من ينتظر من الأدب أشياء أكبر منه، وهناك من يتصور أنه يمكن للأدب أن يكون طوق نجاة لمواجهة الظلم وكشف الحقائق وينتصر للناس البسطاء”.
وذهب مبدع “القوس والفراشة” إلى أن هذه الانتظارات من الأدب تأتي “لما فيه من شيء سحري فهو نوع من الكمال والكلمات التي لا تنبع فقط من الكاتب والشاعر والروائي، ولكن أيضا من نوع من الإيحاء، إذ أن الصورة الشائعة الكاتب أنه يتلقى الإلهام ويشتغل بما يتلقاه من أصوات داخلية أو عليا ليرسلها إلى المتلقي”.
هذا الأمر هو ما يبرر -بحسب الأشعري – تزاحم الناس على الكتابة، وصدور ملايين الكتب في كل أنحاء العالم، ورغم قسوة ما نعيش هناك من يؤمن بأن الكلمة يمكن أن تنجز شيئا ومعجزة ما.
واستدل الأشعري على ذلك بما عرفته البشرية من إنتاجات أدبية كبيرة ومؤثرة، استطاعت أن تلتقط بطريقة إنسانية ووجدانية وحسية مؤشرات غير مرئية للتحولات القادمة، والقدرة على التنبؤ والاستباق.
من جانبها، قالت ادريسية طالع، رئيسة مصلحة الشؤون الثقافية بالمديرية الجهوية للثقافة بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، إن استضافة الأشعري هي مناسبة “كي يرسم الأشعري ببديع إفصاحه وبوحه رهانات وانتظارات مغربية، مقرونة بالشأن الثقافي، واستشرافات مشروع مجتمعي”.
وأضافت طالع، في كلمة ألقتها باسم المديرية الجهوية للثقافة، بالقول إنه “عين العقل أن يكون أول مثقف مغربي يؤشر على تقليد الدرس الافتتاحي لهذا الصرح المتعالي، بأمنيات أرادها صاحب الجلالة لمدينة كونية شرفة المغرب المتوسطي ملتقى حضارات إنسانية
وأبرزت أن الأشعري، “يسعى في هذا الدرس الافتتاحي، أن ينسج الخيط المتين بين جوهر وغايات الأدب العالمية في تحقيق التغيير كما ناشدته الشعوب والأمم دوما وكما دائما”.
بدوره، اعتبر الشاعر والناقد محمد العناز، أن الصنعة الروائية لدى الأشعري “تحطم كثيرا من المقولات الجاهزة في ما يتعلق الروائية العربية تأطير نظرية الرواية العربية لأنها تستند بالأساس إلى فكرة الحداثة ولكن بعيدا عن تلك التصورات التي تلغي الإنسان وتعمل على تنميطه”.
وذكر العناز، في معرض تقديمه قراءة نقدية في مجمل أعمال الأشعري، أن المشروع الروائي لهذا الأخير، “منذ أعماله الروائية الأولى، على غرار رواية “القوس والفراشة” التي استندت إلى البلاغ الأسطوري انطلاقا من إعادة بناء تاريخ ما لمدينة زرهون”.
واستحضر العناز في هذا السياق، ما تطرحه رواية “من خشب وطين” للأشعري من موضوع بيئي انطلاقا من الحكي، كما هو الشأن بالنسبة للمنجز الشعري الأخير للأشعري “جدران مائلة”، باعتبار أن الحياة تتدفق من الشعر ويتم تمريرها عبر قالب متخيل”.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.